" فاعلم يا أخي أرشدك الله أنه لا يسع أحدا تمييز شئ مما اختلفت الرواية فيه عن العلماء عليهم السلام برأيه، إلا على ما أطلقه العالم بقوله عليه السلام: " اعرضوهما على كتاب الله، فما وافى كتاب الله عز وجل فخذوه، وما خالف كتاب الله فردوه " وقوله عليه السلام: " دعوا ما وافق القوم فإن الرشد في خلافهم "، وقوله عليه السلام: " خذوا بالمجمع عليه فإن المجمع عليه لا ريب فيه " ونحن لا نعرف من جميع ذلك إلا أقله. ولا نجد شيئا أحوط ولا أوسع من رد علم ذلك كله إلى العالم عليه السلام وقبول ما وسع من الامر فيه بقوله عليه السلام: " بأيهما أخذتم من باب التسليم وسعكم ". وقد يسر الله وله الحمد تأليف ما سألت... ".
فإن ظاهره لزوم الترجيح مع الاطلاع على المرجحات وأن الرجوع للتخيير عند الجهل بها توسعة منهم عليهم السلام. ومن هنا لا مجال لاثبات الخلاف وانكار دعوى الاجماع من شيخنا الأعظم قدس سره المؤيدة بارتكازية الحكم ومعروفيته عند الأصحاب، تبعا للنصوص الواردة به التي يبعد فهمهم منها لما ذكره المحقق الخراساني.
ودعوى: أن موافقتهم للنصوص مانعة من الاحتجاج بإجماعهم لو تم، لكونه مدركيا، بل يجب النظر في مدركه.
مدفوعة: بأن موافقتهم للنصوص التي هي في نفسها قابلة للتشكيك - لو فرض - لا يمنع من حصول القطع من إجماعهم في الحكم الذي يكثر الابتلاء به ويمتنع عادة الخطأ فيه، حيث يكشف عن أن ما فهموه من النصوص هو المراد الواقعي للشارع، فتكون قرينة قطعية على مطابقة ما فهموه منها للواقع.
نعم، ثبوت الاجماع بالنحو الموجب للقطع بالحكم والصالح للاحتجاج بهذا المقدار وإن كان قريبا، إلا أنه لا يخلو عن إشكال، لعدم شيوع التعرض منهم للمسألة الأصولية وعدم تيسر الاستيعاب لكلماتهم في الفقه في مقام الاستدلال بالنحو الكافي في معرفة اتفاقهم.