بالكتاب الذي يقرأ فيه وارتباط الرسام باللوحة التي يرسم عليها وهكذا سائر ألوان الارتباطات بين الأشياء في الخارج جميعا متأخرة عن وجود المرتبطين فيه فإن الكاتب والقلم موجودان في الخارج قبل أن يرتبط أحدهما بالآخر والرسام واللوحة موجودان فيه قبل أن توجد عملية الرسم والقارئ والكتاب موجودان قبل أن توجد عملية القراءة وهكذا.
والخلاصة: أن هذه الارتباطات بجميع ألوانها وأشكالها إنما هي بين كيانين مستقلين وتعرض عليهما في مرتبة متأخرة عن وجوديهما.
وأخرى تعبر عن تناسب ذاتي بين شيئين وسنخية في الوجود وهذه هي العلاقة بين العلة والمعلول فإنها تعبير عن ارتباط المعلول بالعلة ذاتا وإن كيانه كيان ارتباطي وتعلقي ولهذا كان قطع ارتباطه بالعلة إفناء له وإعداما لكيانه لأن كيانه يتمثل في ذلك الارتباط لأنه عين الارتباط والفقر لا ذات له الارتباط ومن هنا يظهر سر حاجة الأشياء إلى العلة وهو أنها عين التعلقات والارتباطات بعللها وإن الارتباط والتعلق مقوم لكيانها ووجودها.
فلذلك لا يعقل انفكاكها عن العلة وإلا لزم الخلف.
فالنتيجة أن حاجة الأشياء إلى العلة كامنة في صميم وجوداتها وأعماق ذواتها لأنها بذاتها تعلقات وارتباطات ولهذا تدور مدار العلة حدوثا وبقاء.
وعلى ضوء هذا الأساس فلا وجه للتفصيل في المسألة بين الضد الموجود والضد المعدوم وأن الأول لا يتوقف على عدم الضد المعدوم فلا يكون عدمه مقدمة له وأما وجود الضد المعدوم فهو يتوقف على عدم الضد الموجود وارتفاعه فيكون عدمه مقدمة له فإنه مبني على أن الضد الموجود لا يحتاج في بقائه إلى علة وإنما يحتاج إليه في حدوثه، ولكن قد مر فساد هذه النظرية وأنها تبتني على عدم فهم معنى العلية في الأشياء.