الذي يكون من جنس الفجرة عبث، وإذا بطل هذا القسم بقي الثاني، وذلك يفيد الحصر، وإذا دلت هذه الآية على أن الكفار هم الفجرة لا غيرهم، ثبت أن صاحب الكبيرة ليس بفاجر على الإطلاق، سلمنا إن الفجار يدخل تحته الكافر والمسلم، لكن قوله: * (وما هم عنها بغائبين) * معناه أن مجموع الفجار لا يكونون غائبين، ونحن نقول بموجبه: فإن أحد نوعي الفجار وهم الكفار لا يغيبون، وإذا كان كذلك ثبت أن صدق قولنا إن الفجار بأسرهم لا يغيبون، يكفي فيه أن لا يغيب الكفار، فلا حاجة في صدقه إلى أن لا يغيب المسلمون، سلمنا ذلك لكن قوله: * (وما هم عنها بغائبين) * يقتضي كونهم في الحال في الجحيم وذلك كذب، فلا بد من صرفه عن الظاهر، فهم يحملونه على أنهم بعد الدخول في الجحيم يصدق عليهم قوله: * (وما هم عنها بغائبين) * ونحن نحمل ذلك على أنهم في الحال ليسوا غائبين عن استحقاق الكون في الجحيم، إلا أن ثبوت الاستحقاق لا ينافي العفو، سلمنا ذلك لكنه معارض بالدلائل الدالة على العفو وعلى ثبوت الشفاعة لأهل الكبائر، والترجيح لهذا الجانب، لأن دليلهم لا بد وأن يتناول جميع الفجار في جميع الأوقات، وإلا لم يحصل مقصودهم، ودليلنا يكفي في صحته تناوله لبعض الفجار في بعض الأوقات، فدليلهم لا بد وأن يكون عاما، ودليلنا لا بد وأن يكون خاصا والخاص مقدم على العام، والله أعلم.
المسألة الثانية: فيه تهديد عظيم للعصاة حكي أن سليمان بن عبد الملك مر بالمدينة وهو يريد مكة، فقال لأبي حازم: كيف القدوم على الله غدا؟ قال: أما المحسن فكالغائب يقدم من سفره على أهله، وأما المسئ فكالآبق يقدم على مولاه، قال: فبكى، ثم قال: ليت شعري ما لنا عند الله! فقال أبو حازم: أعرض عملك على كتاب الله، قال: في أي مكان من كتاب الله؟ قال: * (إن الأبرار لفي نعيم، وإن الفجار لفي جحيم) * وقال جعفر الصادق عليه السلام: النعيم المعرفة والمشاهدة، والجحيم ظلمات الشهوات وقال بعضهم: النعيم القناعة، والجحيم الطمع، وقيل: النعيم التوكل، والجحيم الحرص، وقيل: النعيم الاشتغال بالله، والجحيم الاشتغال بغير الله تعالى.
قوله تعالى * (ومآ أدراك ما يوم الدين * ثم مآ أدراك ما يوم الدين * يوم لا تملك نفس لنفس شيئا والامر يومئذ لله) *.
النوع الرابع: من تفاريع الحشر تعظيم يوم القيامة، وهو قوله تعالى: * (وما أدراك ما يوم الدين * ثم ما أدراك ما يوم الدين * يوم لا تملك نفس لنفس شيئا والأمر يومئذ لله) * وفيه مسائل:
المسألة الأولى: اختلفوا في الخطاب في قوله: * (وما أدراك) * فقال بعضهم: هو خطاب للكافر على وجه الزجر له، وقال الأكثرون: إنه خطاب للرسول، وإنما خاطبه بذلك لأنه ما كان عالما بذلك قبل الوحي.