الملائكة إياه فيها، والمعنى لتركبن يا محمد السماوات طبقا عن طبق، وقد قال تعالى: * (سبع سماوات طباقا) * (الملك: 3) وقد فعل الله ذلك ليلة الإسراء، وهذا الوجه مروي عن ابن عباس وابن مسعود وثالثها: لتركبن يا محمد درجة ورتبة بعد رتبة في القرب من الله تعالى.
القول الثاني: في هذه القراءة، أن هذه الآية في السماء وتغيرها من حال إلى حال، والمعنى لتركبن السماء يوم القيامة حالة بعد حالة، وذلك لأنها أولا تنشق كما قال: * (إذا السماء انشقت) * (الإنشقاق: 1) ثم تنفطر كما قال: * (إذا السماء انفطرت) * (الإنفطار: 1) ثم تصير: * (وردة كالدهان) * (الرحمن: 37) وتارة: * (كالمهل) * (المعارج: 8) على ما ذكر الله تعالى هذه الأشياء في آيات من القرآن فكأنه تعالى لما ذكر في أول السورة أنها تنشق أقسم في آخر السورة أنها تنتقل من أحوال إلى أحوال، وهذا الوجه مروي عن ابن مسعود.
المسألة الثالثة: قوله تعالى: * (عن طبق) * أي بعد طبق كقول الشاعر: ما زلت أقطع منهلا عن منهل * حتى أنخت بباب عبد الواحد ووجه هذا أن الإنسان إذا صار من شيء إلى شيء آخر فقد صار إلى الثاني بعد الأول فصلحت بعد وعن معاقبة، وأيضا فلفظة عن تفيد البعد والمجاوزة فكانت مشابهة للفظة بعد.
أما قوله تعالى: * (فما لهم لا يؤمنون) * ففيه مسألتان:
المسألة الأولى: الأقرب أن المراد * (فما لهم لا يؤمنون) * بصحة البعث والقيامة لأنه تعالى حكى عن الكافر: * (أنه ظن أن لن يحور) * (الإنشقاق: 14) ثم أفتى سبحانه بأنه يحور فلما قال بعد ذلك: * (فما لهم لا يؤمنون) * دل على أن المراد: * (فما لهم لا يؤمنون) * بالبعث والقيامة، ثم اعلم أن قوله: * (فما لهم لا يؤمنون) * استفهام بمعنى الإنكار، وهذا إنما يحسن عند ظهور الحجة وزوال الشبهات، الأمر ههنا كذلك، وذلك لأنه سبحانه أقسم بتغييرات واقعة في الأفلاك والعناصر، فإن الشفق حالة مخالفة لما قبلها وهو ضوء النهار، ولما بعدها وهو ظلمة الليل، وكذا قوله: * (والليل وما وسق) * فإنه يدل على حدوث ظلمة بعد نور، وعلى تغير أحوال الحيوانات من اليقظة إلى النوم، وكذا قوله: * (والقمر إذا اتسق) * فأنه يدل على حصول كمال القمر بعد أن كان ناقصا، إنه تعالى أقسم بهذه الأحوال المتغيرة على تغير أحوال الخلق، وهذا يدل قطعا على صحة القول بالبعث، لأن القادر على تغيير الأجرام العلوية والسفلية من حال إلى حال وصفة إلى صفة بحسب المصالح، لا بد وأن يكون في نفسه قادرا على جميع الممكنات عالما بجميع المعلومات. ومن كان كذلك كان لا محالة قادرا على البعث والقيامة، فلما كان ما قبل هذه الآية كالدلالة العقلية القاطعة على صحة البعث والقيامة لا جرم قال على سبيل الاستبعاد: * (فما لهم لا يؤمنون) *.
المسألة الثانية: قال القاضي: لا يجوز أن يقول الحكيم فيمن كان عاجزا عن الإيمان * (فما لهم لا يؤمنون) * فلما قال ذلك دل على كونهم قادرين، وهذا يقتضي أن تكون الاستطاعة قبل الفعل، وأن يكونوا موجدين لأفعالهم، وأن لا يكون تعالى خالقا للكفر فيهم. فهذه الآية من