* (حملنا ذريتهم) * بدل قوله: حملناهم إشارة إلى كمال النعمة أي لم تكن النعمة مقتصرة عليكم بل متعدية إلى أعقابكم إلى يوم القيامة، هذا ما قاله الزمخشري، ويحتمل عندي أن يقال على هذا إنه تعالى إنما خص الذرية بالذكر، لأن الموجودين كانوا كفارا لا فائدة في وجودهم فقال: * (حملنا ذريتهم) * أي لم يكن الحمل حملا لهم، وإنما كان حملا لما في أصلابهم من المؤمنين كما أن من حمل صندوقا لا قيمة له وفيه جواهر إذا قيل له لم تحمل هذا الصندوق وتتعب في حمله وهو لا يشتري بشيء؟ يقول: لا أحمل الصندوق وإنما أحمل ما فيه الثاني: هو أن المراد بالذرية الجنس معناه حملنا أجناسهم وذلك لأن ولد الحيوان من جنسه ونوعه والذرية تطلق على الجنس ولهذا يطلق على النساء نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن قتل الذراري، أي النساء وذلك لأن المرأة وإن كانت صنفا غير صنف الرجل لكنها من جنسه ونوعه يقال ذرارينا أي أمثالنا فقوله: * (أنا حملنا ذريتهم) * أي أمثالهم وآباؤهم حينئذ تدخل فيهم الثالث: هو أن الضمير في قوله: * (وآية لهم) * عائد إلى العباد حيث قال: * (يا حسرة على العباد) * (يس: 30) وقال بعد ذلك: * (وآية لهم الأرض) * (يس: 33) وقال: * (وآية لهم الليل) (يس: 37) وقال: * (وآية لهم أنا حملنا ذريتهم) * إذا علم هذا فكأنه تعالى قال: وآية للعباد أنا حملنا ذريات العباد ولا يلزم أن يكون المراد بالضمير في الموضعين أشخاصا معينين كما قال تعالى: * (ولا تقتلوا أنفسكم) * (النساء: 29) ويريد بعضهم بعضا، وكذلك إذا تقاتل قوم ومات الكل في القتال، يقال هؤلاء القوم هم قتلوا أنفسهم، فهم في الموضعين يكون عائدا إلى القوم ولا يكون المراد أشخاصا معينين، بل المراد أن بعضهم قتل بعضا، فكذلك قوله تعالى: * (وآية لهم) * أي آية لكل بعض منهم أنا حملنا ذرية على بعض منهم، أو ذرية بعض منهم. وأما إن قلنا إن المراد جنس الفلك فهو أظهر، لأن سفينة نوح لم تكن بحضرتهم ولم يعلموا من حمل فيها، فأما جنس الفلك فإنه ظاهر لكل أحد، وقوله تعالى في سفينة نوح: * (وجعلناها آية للعالمين) * (العنكبوت: 15) أي بوجود جنسها ومثلها، ويؤيده قوله تعالى: * (ألم ترى أن الفلك تجري في البحر بنعمة الله ليريكم من آياته إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور) * (لقمان: 31) فنقول قوله تعالى: * (حملنا ذريتهم) * أي ذريات العباد ولم يقل حملناهم، لأن سكون الأرض عام لكل أحد يسكنها فقال: * (وآية لهم الأرض الميتة) * إلى أن قال: * (فمنه يأكلون) * (يس: 33) لأن الأكل عام، وأما الحمل في السفينة فمن الناس من لا يركبها في عمره ولا يحمل فيها، ولكن ذرية العباد لا بد لهم من ذلك فإن فيهم من يحتاج إليها فيحمل فيها.
المسألة الثانية: جعل الفلك تارة جمعا حيث قال: * (وترى الفلك فيه مواخر) * (فاطر: 12) جمع ماخرة وأخرى فردا حيث قال: * (في الفلك المشحون) * نقول فيه تدقيق مليح من علم اللغة، وهو أن الكلمة قد تكون حركتها مثل حركة تلك الكلمة في الصورة، والحركتان مختلفتان في المعنى مثالها قولك: سجد يسجد سجودا للمصدر وهم قوم سجود في جمع ساجد، تظن أنهما كلمة واحدة لمعنيين وليس كذلك، بل السجود عند كونه مصدرا حركته أصلية إذا قلنا إن الفعل مشتق من المصدر