المسألة الثانية: إذا كان كل بمعنى كل واحد منهم والمذكور الشمس والقمر فكيف قال: * (يسبحون) *؟ نقول الجواب عنه من وجوه أحدها: ما بينا أن قوله كل للعموم فكأنه أخبر عن كل كوكب في السماء سيار ثانيها: أن لفظ كل يجوز أن يوحد نظرا إلى كونه لفظا موحدا غير مثنى ولا مجموع، ويجوز أن يجمع لكون معناه جمعا، وأما التثنية فلا يدل عليها للفظ ولا المعنى فعلى هذا يحسن أن يقول القائل زيد وعمرو كل جاء أو كل جاءوا ولا يقول كل جاءا بالتثنية وثالثها: لما قال: * (ولا الليل سابق النهار) * والمراد ما في الليل من الكواكب قال: * (يسبحون) *.
المسألة الثالثة: الفلك ماذا؟ نقول الجسم المستدير أو السطح المستدير أو الدائرة لأن أهل اللغة اتفقوا على أن فلكة المغزل سميت فلكة لاستدارتها وفلكة الخيمة هي الخشبة المسطحة المستديرة التي توضع على رأس العمود لئلا يمزق العمود الخيمة وهي صفحة مستديرة، فإن قيل فعلى هذا تكون السماء مستديرة. وقد اتفق أكثر المفسرين على أن السماء مبسوطة ليس لها أطراف على جبال وهي كالسقف المستوي. ويدل عليه قوله تعالى: * (والسقف المرفوع) * (الطور: 5) نقول ليس في النصوص ما يدل دلالة قاطعة على كون السماء مبسوطة غير مستديرة، ودل الدليل الحسي على كونها مستديرة فوجب المصير إليه. أما الأول فظاهر لأن السقف المقبب لا يخرج من كونه سقفا، وكذلك كونها على جبال، وأما الدليل الحسي فوجوه أحدها: أن من أمعن في السير في جانب الجنوب يظهر له كواكب مثل سهيل وغيره ظهورا أبديا حتى أن من يرصد يراه دائما ويخفى عليه بنات نعش وغيرها خفاء أبديا، ولو كان السماء مسطحا مستويا لبان الكل للكل بخلاف ما إذا كان مستديرا فإن بعضه حينئذ يستتر بأطراف الأرض فلا يرى الثاني: هو أن الشمس إذا كانت مقارنة للحمل مثلا فإذا غربت ظهر لنا كوكب في منطقة البروج من الحمل إلى الميزان ثم في قليل يستتر الكوكب الذي كان غروبه بعد غروب الشمس ويظهر الكوكب الذي كان طلوعه بعد طلوع الشمس وبالعكس هو دليل ظاهر وإن بحث فيه يصير قطعيا الثالث: هو أن الشمس قبل طلوعها وبعد غروبها يظهر ضوءها ويستنير الجو بعض الاستنارة ثم يطلع ولولا أن بعض السماء مستتر بالأرض وهو محل الشمس فلا يدي جرمها وينتشر نورها لما كان كذا بل كان عند إعادتها إلى السماء يظهر لكل أحد جرمها ونورها معا لكون السماء مستوية حينئذ مكشوفة كلها لكل أحد الرابع: القمر إذا انكسف في ساعة من الليل في جانب الشرق، ثم سئل أهل الغرب عن وقت الكسوف أخبروا عن الخسوف في ساعة أخرى قبل تلك الساعة التي رأى أهل المشرق فيها الخسوف لكن الخسوف في وقت واحد في جميع نواحي العالم والليل مختلف فدل على أن الليل في جانب المشرق قبل الليل في جانب المغرب فالشمس غربت من عند أهل المشرق وهي بعد في السماء ظاهرة لأهل المغرب فعلم استتارها بالأرض ولو كانت مستوية