أفمن حق عليه كلمة العذاب أفأنت تنقذ من فى النار * لكن الذين اتقوا ربهم لهم غرف من فوقها غرف مبنية تجرى من تحتها الانهار وعد الله لا يخلف الله الميعاد) * اعلم أن الله تعالى لما ذكر وعيد عبدة الأصنام والأوثان ذكر وعد من اجتنب عبادتها واحترز عن الشرك، ليكون الوعد مقرونا بالوعيد أبدا فيحصل كمال الترغيب والترهيب، وفيه مسائل:
المسألة الأولى: قال صاحب " الكشاف ": الطاغوت فعلوت من الطغيات كالملكوت والرحموت إلا أن فيها قلبا بتقديم اللام على العين، وفي هذا اللفظ أنواع من المبالغة أحدها: التسمية بالمصدر كأن عين ذلك الشيء الطغيان وثانيها: أن البناء بناء المبالغة فإن الرحموت الرحمة الواسعة والملكوت الملك المبسوط وثالثها: ما ذكرنا من تقديم اللام على العين ومثل هذا إنما يصار إليه عند المبالغة.
المسألة الثانية: اختلفوا في أن المراد من الطاغوت ههنا الشيطان أم الأوثان، فقيل إنه الشيطان فإن قيل إنهم ما عبدوا الشيطان وإنما عبدوا الصنم، قلنا الداعي إلى عبادة الصنم لما كان هو الشيطان كان الإقدام على عبادة الصنم عبادة للشيطان، وقيل المراد بالطاغوت الصنم وسميت طواغيت على سبيل المجاز لأنه لا فعل لها، والطغاة هم الذين يعبدونها إلا أنه لما حصل الطغيان عند مشاهدتها والقرب منها، وصفت بهذه الصفة إطلاقا لاسم المسبب على السبب بحسب الظاهر، وقيل كل ما يعبد ويطاع من دون الله فهو طاغوت، ويقال في التواريخ إن الأصل في عبادة الأصنام، أن القوم كانوا مشبهة اعتقدوا في الإله أنه نور عظيم، وفي الملائكة أنها أنوار مختلفة في الصغر والكبر، فوضعوا تماثيل وصورا على وفق تلك الخيالات فكانوا يعبدون تلك التماثيل على اعتقاد أنهم يعبدون الله والملائكة، وأقول حاصل الكلام في قوله: * ( والذين اجتنبوا الطاغوت) * أي أعرضوا عن عبودية كل ما سوى الله. قوله تعالى: * (وأنابوا إلى الله) * أي رجعوا بالكلية إلى الله. ورأيت في السفر الخامس من التوراة، أن الله تعالى قال لموسى: يا موسى أجب إلهك بكل قلبك. وأقول ما دام يبقى في القلب التفات إلى غير الله فهو ما أجاب إلهه بكل قلبه، وإنما تحصل الإجابة بكل القلب إذا أعرض القلب عن كل ما سوى الله من باب الطاعات فكيف يعرض عنها مع