مقابلتها من خدمات أربع لتقابل كل نعمة بخدمة. فقال موسى عليه السلام: ما تلك الخدمات؟ فقال: وأقم الصلاة لذكري فإن فيها أنواعا أربعة من الخدمة، القيام والقراءة والركوع والسجود فإذا أتيت بالصلاة فقد قابلت كل نعمة بخدمة، ثم إنه تعالى لما أعطاه الخلعة الخامسة وهي خلعة الرسالة قال: * (رب اشرح لي صدري) * حتى أعرف أني بأي خدمة أقابل هذه النعمة فقيل له بأن تجتهد في أداء هذه الرسالة على الوجه المطلوب فقال موسى: يا رب إن هذا لا يتأتى مني مع عجزي وضعفي وقلة آلاتي وقوة خصمي فاشرح لي صدري ويسر لي أمري. الفصل الثاني: في قوله: * (رب اشرح لي صدري) * اعلم أن الدعاء سبب القرب من الله تعالى وإنما اشتغل موسى بهذا الدعاء طلبا للقرب فتفتقر إلى بيان أمرين إلى بيان أن الدعاء سبب القرب ثم إلى بيان أن موسى عليه السلام طلب القرب بهذا الدعاء، أما بيان أن الدعاء سبب القرب فيدل عليه وجوه. الأول: أن الله تعالى ذكر السؤال والجواب في كتابه في عدة مواضع منها أصولية ومنها فروعية، أما الأصولية فأولها في البقرة: * (يسألونك عن الآهلة قل هي مواقيت للناس والحج) * (البقرة: 189). وثانيها: في بني إسرائيل * (ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي) *. وثالثها: * (ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفا) * (طه: 105). ورابعها: * (يسألوك عن الساعة أيان مرساها) * (النازعات: 42) وأما الفروعية فستة منها في البقرة على التوالي. أحدها: * (يسألونك ماذا ينفقون قل ما أنفقتم من خير فللوالدين والأقربين) * (البقرة: 215) وثانيها: * (يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير) * (البقرة: 217). وثالثها: * (يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير) * (البقرة: 219). ورابعها: * (ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو) * (البقرة: 219). وخامسها: * (ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير) * (البقرة: 220). وسادسها: * (ويسألونك عن المحيض قل هو أذى) * (البقرة: 222). وسابعها: * (يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول) * (الأنفال: 1). وثامنها: * (ويسألونك عن ذي القرنين قل سأتلو عليكم منه ذكرا) * (الكهف: 83). وتاسعها: * (ويستنبئونك أحق هو قل إي وربي إنه لحق) * (يونس: 53). وعاشرها: * (يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة) * (النساء: 176). والحادية عشر: * (وإذا سألك عبادي عني فإني قريب) * (البقرة: 186) إذا عرفت هذا فنقول جاءت هذه الأسئلة والأجوبة على صور مختلفة، فالأغلب فيها أنه سبحانه وتعالى لما ذكر السؤال قال لمحمد صلى الله عليه وسلم قل وفي صورة أخرى جاء الجواب بصيغة فقل مع فاء التعقيب وفي صورة ثالثة ذكر السؤال ولم يذكر الجواب، وهو قوله تعالى: * (يسألونك عن الساعة أيان مرساها) * (الأعراف: 187) وفي صورة رابعة ذكر الجواب ولم يذكر فيه لفظ قل ولا لفظ فقل وهو قوله تعالى: * (وإذا سألك عبادي عني فإني قريب) * ولا بد لهذه الأشياء من الفائدة فنقول: أما الأجوبة الواردة بلفظ قل فلا إشكال فيها لأن قوله تعالى قل كالتوقيع المحدد في ثبوت نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وكالتشريف المحدد في كونه مخاطبا من الله تعالى بأداء الوحي والتبليغ. وأما الصورة الثانية وهي قوله: * (فقل ينسفها ربي نسفا) * (طه: 105) فالسبب أن قولهم: * (ويسألونك عن الجبال) * (طه: 105) سؤال إما عن قدمها أو عن وجوب بقائها وهذه المسألة من أمهات مسائل أصول الدين فلا جرم أمر الله تعالى محمدا صلى الله عليه وسلم أن يجيب بلفظ
(٣٥)