أرسلت إلينا رسولا) * والمغلوب على عقله يقول لم تجعل لي عقلا أنتفع به، ويقول الصبي: كنت صغيرا لا أعقل فترفع لهم نار، ويقال لهم: ادخلوها فيدخلها من كان في علم الله تعالى أنه شقي ويبقى من في علمه أنه سعيد، فيقول الله تعالى لهم: " عصيتم اليوم فكيف برسلي لو أتوكم " والقاضي طعن في الخبر وقال: لا يحسن العقاب على من لا يعقل، واعلم أن في هذه الآية مسائل:
المسألة الأولى: قال الجبائي: هذه الآية تدل على وجوب فعل اللطف إذ المراد أنه يجب أن يفعل بالمكلفين ما يؤمنون عنده ولو لم يفعل لكان لهم أن يقولوا هلا فعلت ذلك بنا لنؤمن؟ وهلا أرسلت إلينا رسولا فنتبع آياتك؟ وإن كان المعلوم أنهم لا يؤمنون ولو بعث إليهم الرسول لم يكن في ذلك حجة، فصح أنه إنما يكون حجة لهم إذا كان في المعلوم أنهم يؤمنون عنده إذا أطاعوه.
المسألة الثانية: قال الكعبي قوله: * (لولا أرسلت إلينا رسولا) * أوضح دليل على أنه تعالى يقبل الاحتجاج من عباده، وأنه ليس قوله: * (لا يسأل عما يفعل) * (الأنبياء: 23) كما ظنه أهل الجبر من أن ما هو جور منا يكون عدلا منه بل تأويله: أنه لا يقع منه إلا العدل فإذا ثبت أنه تعالى يقبل الحجة فلو لم يكونوا قادرين على ما أمروا به لكان لهم فيه أعظم حجة.
المسألة الثالثة: قال أصحابنا: الآية تدل على أن الوجوب لا يتحقق إلا بالشرع إذ لو تحقق العقاب قبل مجيء الشرع لكان العقاب حاصلا قبل مجيء الشرع.
ثم إنه سبحانه ختم السورة بضرب من الوعيد فقال: * (قل كل متربص) * أي كل منا ومنكم منتظر عاقبة أمره وهذا الانتظار يحتمل أن يكون قبل الموت، إما بسبب الأمر بالجهاد أو بسبب ظهور الدولة والقوة، ويحتمل أن يكون بالموت فإن كل واحد من الخصمين ينتظر موت صاحبه، ويحتمل أن يكون بعد الموت وهو ظهور أمر الثواب والعقاب، فإنه يتميز في الآخرة المحق من المبطل بما يظهر على المحق من أنواع كرامة الله تعالى، وعلى المبطل من أنواع إهانته * (فستعلمون) * عند ذلك * (من أصحاب الصراط السوي ومن اهتدى) * إليه وليس هو بمعنى الشك والترديد، بل هو على سبيل التهديد والزجر للكفار، والله أعلم.