ولا يحيون وهذا قول الحسن وقتادة والكلبي. وأما الرابع: وهو الضيق في أحوال الدين فقال ابن عباس رضي الله عنهما: المعيشة الضنك هي أن تضيق عليه أبواب الخير فلا يهتدي لشيء منها. سئل الشبلي عن قوله عليه السلام: " إذا رأيتم أهل البلاء فاسألوا الله العافية " فقال أهل البلاء هم أهل الغفلات عن الله تعالى فعقوبتهم أن يردهم الله تعالى إلى أنفسهم وأي معيشة أضيق وأشد من أن يرد الإنسان إلى نفسه، وعن عطاء قال: المعيشة الضنك هي معيشة الكافر لأنه غير موقن بالثواب والعقاب. وأما الخامس: وهو أن يكون المراد الضيق في كل ذلك أو أكثره فروي عن علي عليه السلام عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " عقوبة المعصية ثلاثة: ضيق المعيشة والعسر في الشدة، وأن لا يتوصل إلى قوته إلا بمعصية الله تعالى " أما قوله تعالى: * (ونحشره يوم القيامة أعمى) * ففيه وجوه: أحدها: هذا مثل قوله: * (ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عميا وبكما وصما) * (الإسراء: 97) وكما فسرت الزرقة بالعمى، ثم قيل: إنه يحشر بصيرا فإذا سيق إلى المحشر عمى والكلام فيه وعليه قد تقدم في قوله: * (زرقا) * (طه: 132). وثانيها: قال مجاهد والضحاك ومقاتل: يعني أعمى عن الحجة، وهي رواية سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال القاضي: هذا القول ضعيف لأن في القيامة لا بد أن يعلمهم الله تعالى بطلان ما كانوا عليه حتى يتميز لهم الحق من الباطل، ومن هذا حاله لا يوصف بذلك إلا مجازا، والمراد به أنه كان من قبل ذلك كذلك ولا يليق بهذا قوله: * (وقد كنت بصيرا) * ولم يكن كذلك في حال الدنيا أقول ومما يؤكد هذا الاعتراض أنه تعالى علل ذلك العمى بما أن المكلف نسي الدلائل في الدنيا فلو كان العمى الحاصل في الآخرة بين ذلك النسيان لم يكن للمكلف بسبب ذلك ضرر، كما أنه ما كان له في الدنيا بسبب ذلك ضرر، واعلم أن تحقيق الجواب عن هذا الاعتراض مأخوذ من أمر آخر وهو أن الأرواح الجاهلة في الدنيا المفارقة عن أبدانها على جهالتها تبقى على تلك الجهالة في الآخرة وأن تلك الجهالة تصير هناك سببا لأعظم الآلام الروحانية. وبين هذه الطريقة وبين طريقة القاضي المبنية على أصول الاعتزال بون شديد. وثالثها: قال الجبائي: المراد من حشره أعمى أنه لا يهتدي يوم القيامة إلى طريق ينال منه خيرا بل يبقى واقفا متحيرا كالأعمى الذي لا يهتدي إلى شيء، أما قوله: * (قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا * قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى) * ففي تقرير هذا الجواب وجهان: أحدهما: أنه تعالى إنما أنزل به هذا العمى جزاء على تركه اتباع الهدى والإعراض عنه. والثاني: هو أن الأرواح البشرية إذا فارقت أبدانها جاهلة ضالة عن الاتصال بالروحانيات بقيت على تلك الحالة بعد المفارقة وعظمت الآلام الروحانية، فلهذا علل الله تعالى حصول العمى في الآخرة بالإعراض عن الدلائل في الدنيا، ومن فسر المعيشة الضنك بالضيق في الدنيا، قال إنه تعالى بين أن من أعرض عن ذكره في الدنيا فله المعيشة الضنك في الدنيا، والعمى في الآخرة، أما قوله: * (وكذلك نجزي من أسرف ولم يؤمن بآيات ربه) * فقد
(١٣١)