وإن أباك أقدم على ما لا ينبغي للتساهل وترك التحفظ فكان أمرك أحسن من أمره، أما قوله تعالى: * (ولقد عهدنا إلى آدم من قبل) * فلا شك أن المراد بالعهد أمر من الله تعالى أو نهي منه كما يقال في أوامر الملوك ووصاياهم أشار الملك إليه وعهد إليه. قال المفسرون: عهدنا إليه أن لا يأكل من الشجرة ولا يقربها، وفي قوله تعالى: * (من قبل) * وجوه. أحدها: من قبل هؤلاء الذين صرفنا لهم الوعيد في القرآن. وثانيها: قال ابن عباس: من قبل أن يأكل من الشجرة عهدنا إليه أن لا يأكل منها. وثالثها: أي من قبل محمد صلى الله عليه وسلم والقرآن وهو قول الحسن، أما قوله: * (فنسى) * فقد تكلمنا فيه على سبيل الاستقصاء في سورة البقرة، ونعيد ههنا منه شيئا قليلا، وفي النسيان قولان: أحدهما: المراد ما هو نقيض الذكر، وإنما عوتب على ترك التحفظ والمبالغة في الضبط حتى تولد منه النسيان، وكان الحسن رحمه الله يقول: والله ما عصى قط إلا بنسيان. والثاني: أن المراد بالنسيان الترك وأنه ترك ما عهد إليه من الاحتراز عن الشجرة وأكل من ثمرتها، وقرئ: فنسي أي فنساه الشيطان، وعلى هذا التقدير يحتمل أن يقال: أقدم على المعصية من غير تأويل وأن يقال: أقدم عليها مع التأويل، والكلام فيه قد تقدم في سورة البقرة، وأما قوله: * (ولم نجد له عزما) * ففيه أبحاث:
البحث الأول: الوجود يجوز أن يكون بمعنى العلم ومنه ولم نجد له عزما وأن يكون نقيض العدم كأنه قال: وعدمنا له عزما.
البحث الثاني: العزم هو التصميم والتصلب، ثم قوله: * (ولم نجد له عزما) * يحتمل ولم نجد له عزما على القيام على المعصية فيكون إلى المدح أقرب، ويحتمل أن يكون المراد ولم نجد له عزما على ترك المعصية أو لم نجد له عزما على التحفظ والاحتراز عن الغفلة، أو لم نجد له عزما على الاحتياط في كيفية الاجتهاد إذا قلنا: إنه عليه السلام إنما أخطأ بالاجتهاد. وأما قوله: * (وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى) * فهذا يشتمل على مسائل: إحداها: أن المأمورين كل الملائكة أو بعضهم. وثانيتها: أنه ما معنى السجود. وثالثتها: أن إبليس هل كان من الملائكة أم لا؟ وإن لم يكن فكيف صح الاستثناء وبأي شيء صار مأمورا بالسجود؟ ورابعتها: أن هذا يدل على أن آدم أفضل من محمد صلى الله عليه وسلم أم لا؟ وخامستها: أن قوله في صفة إبليس أنه أبى كيف لزم الكفر من ذلك الإباء وأنه هل كان كافرا ابتداء أو كفر بسبب ذلك. واعلم أن هذه المسائل مرت على سبيل الاستقصاء في سورة البقرة، أما قوله: * (فقلنا يا آدم إن هذا عدو لك ولزوجك فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى) * ففيه سؤالات: الأول: ما سبب تلك العداوة؟ الجواب من وجوه: أحدها: أن إبليس كان حسودا فلما رآى آثار نعم الله تعالى في حق آدم عليه السلام حسده فصار عدوا له. وثانيها: أن آدم كان شابا عالما لقوله وعلم آدم الأسماء كلها، وإبليس كان شيخا جاهلا لأنه أثبت فضله بفضيلة أصله وذلك جهل، والشيخ الجاهل