أما قوله تعالى: * (ادخلوا في أمم) * ففيه وجهان:
الوجه الأول: التقدير: ادخلوا في النار مع أمم، وعلى هذا القول ففي الآية إضمار ومجاز أما الإضمار فلأنا أضمرنا فيها قولنا: في النار. وأما المجاز، فلأنا حملنا كلمة " في " على " مع " لأنا قلنا معنى قوله: * (في أمم) * أي مع أمم.
والوجه الثاني: أن لا يلتزم الإضمار ولا يلتزم المجاز، والتقدير: ادخلوا في أمم في النار، ومعنى الدخول في الأمم، الدخول فيما بينهم وقوله: * (قد خلت من قبلكم من الجن والإنس) * أي تقدم زمانهم زمانكم، وهذا يشعر بأنه تعالى لا يدخل الكفار بأجمعهم في النار دفعة واحدة، بل يدخل الفوج بعد الفوج، فيكون فيهم سابق ومسبوق، ليصح هذا القول، ويشاهد الداخل من الأمة في النار من سبقها وقوله: * (كلما دخلت أمة لعنت أختها) * والمقصود أن أهل النار يلعن بعضهم بعضا فيتبرأ بعضهم من بعض، كما قال تعالى: * (الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين) * (الزخرف: 67) والمراد بقوله: * (أختها) * أي في الدين، والمعنى: أن المشركين يلعنون المشركين، وكذلك اليهود، تلعن اليهود، والنصارى النصارى، وكذا القول في المجوس، والصابئة وسائر أديان الضلالة. وقوله: * (حتى إذا اداركوا فيها جميعا) * أي تداركوا، بمعنى تلاحقوا، واجتمعوا في النار، وأدرك بعضهم بعضا، واستقر معه * (قالت أولاهم لأخراهم) * وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: في تفسير الأولى والأخرى قولان: الأول: قال مقاتل أخراهم يعني آخرهم دخولا في النار، لأولاهم دخولا فيها. والثاني: أخراهم منزلة، وهم الأتباع والسفلة، لأولاهم منزلة وهم القادة والرؤساء.
المسألة الثانية: " اللام " في قوله: * (لأخراهم) * لام أجل، والمعنى: لأجلهم ولإضلالهم إياهم * (قالوا ربنا هؤلاء أضلونا) * (الأعراف: 38) وليس المراد أنهم ذكروا هذا القول لأولاهم، لأنهم ما خاطبوا أولاهم، وإنما خاطبوا الله تعالى بهذا الكلام.
أما قوله تعالى: * (ربنا هؤلاء أضلونا) * فالمعنى: أن الأتباع يقولون إن المتقدمين أضلونا، واعلم أن هذا الإضلال يقع من المتقدمين للمتأخرين على وجهين: أحدهما: بالدعوة إلى الباطل، وتزيينه في أعينهم، والسعي في إخفاء الدلائل المبطلة لتلك الأباطيل.
والوجه الثاني: بأن يكون المتأخرون معظمين لأولئك المتقدمين، فيقلدونهم في تلك الأباطيل والأضاليل التي لفقوها ويتأسون بهم، فيصير ذلك تشبيها بإقدام أولئك المتقدمين على الإضلال.