خالصا أو راجحا، أو يتساوى الضرر والنفع، أو يرتفعا. أما القسمان الأخيران، وهو أن يتعادل الضرر والنفع، أو لم يوجدا قط ففي هاتين الصورتين، وجب الحكم ببقاء ما كان على ما كان، وإن كان النفع خالصا، وجب الإطلاق بمقتضى هذه الآية، وإن كان النفع راجحا والضرر مرجوحا يقابل المثل بالمثل، ويبقى القدر الزائد نفعا خالصا، فيلتحق بالقسم الذي يكون النفع فيه خالصا، وإن كان الضرر خالصا، كان تركه خالص النفع، فيلتحق بالقسم المتقدم، وإن كان الضرر راجحا بقي القدر الزائد ضررا خالصا، فكان تركه نفعا خالصا، فبهذا الطريق صارت هذه الآية دالة على الأحكام التي لا نهاية لها في الحل والحرمة، ثم إن وجدنا نصا خالصا في الواقعة، قضينا في النفع بالحل، وفي الضرر بالحرمة، وبهذا الطريق صار جميع الأحكام التي لا نهاية لها داخلا تحت النص ثم قال نفاة القياس. فلو تعبدنا الله تعالى بالقياس، لكان حكم ذلك القياس. إما أن يكون موافقا لحكم هذا النص العام، وحينئذ يكون ضائعا، لأن هذا النص مستقل به. وإن كان مخالفا كان ذلك القياس مخصصا لعموم هذا النص، فيكون مردودا لأن العمل بالنص أولى من العمل بالقياس. قالوا: وبهذا الطريق يكون القرآن وحده وافيا ببيان كل أحكام الشريعة، ولا حاجة معه إلى طريق آخر، فهذا تقرير قول من يقول: القرآن واف ببيان جميع الوقائع. والله أعلم.
وأما قوله تعالى: * (قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة) * ففيه مسألتان:
المسألة الأولى: تفسير الآية هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا غير خالصة لهم، لأن المشركين شركاؤهم فيها خالصة يوم القيامة، لا يشركهم فيها أحد.
فإن قيل: هلا قيل للذين آمنوا ولغيرهم؟
قلنا: فهم منه التنبيه على أنها خلقت للذين آمنوا على طريق الأصالة، وأن الكفرة تبع لهم، كقوله تعالى: * (ومن كفر فأمتعه قليلا ثم اضطره إلى عذاب النار) * (البقرة: 126) والحاصل: أن ذلك تنبيه على أن هذه النعم إنما تصفوا عن شوائب الرحمة يوم القيامة. أما في الدنيا. فإنها تكون مكدرة مشوبة.
المسألة الثانية: قرأ نافع * (خالصة) * بالرفع والباقون بالنصب، قال الزجاج: الرفع على أنه خبر بعد خبر، كما تقول: زيد عاقل لبيب، والمعنى: قل هي ثابتة للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة. قال أبو علي: ويجوز أن يكون قوله: * (خالصة) * خبر المبتدأ وقوله: * (للذين آمنوا) * متعلقا بخالصة. والتقدير: هي خالصة للذين آمنوا في الحياة الدنيا. وأما القراءة بالنصب، فعلى الحال. والمعنى: أنها ثابتة للذين آمنوا في حال كونها خالصة لهم يوم القيامة.