هو المذكور في قوله تعالى: * (فأنذرتكم نارا تلظى) * (الليل: 14) وفي قوله: * (يسلكه عذابا صعدا) * (الجن: 17) وفي قوله: * (إذ الأغلال في أعناقهم والسلاسل) * (غافر: 71) فهذه الأشياء هي نصيبهم من الكتاب على قدر ذنوبهم في كفرهم. والقول الثاني: أن المراد من هذا النصيب شيء سوى العذاب، واختلفوا فيه فقيل: هم اليهود والنصارى يجب لهم علينا إذا كانوا أهل ذمة لنا أن لا تتعدى عليهم وأن ننصفهم وأن نذب عنهم فذلك هو معنى النصيب من الكتاب وقال ابن عباس، ومجاهد، وسعيد بن جبير: أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب. أي ما سبق لهم في حكم الله وفي مشيئته من الشقاوة والسعادة، فإن قضى الله لهم بالختم على الشقاوة، أبقاهم على كفرهم، وإن قضى لهم بالختم على السعادة نقلهم إلى الإيمان والتوحيد، وقال الربيع وابن زيد. يعني: ما كتب لهم من الأرزاق والأعمال والأعمار، فإذا فنيت وانقرضت وفرغوا منها * (جاءتهم رسلنا يتوفونهم) * واعلم أن هذا الاختلاف إنما حصل، لأنه تعالى قال: * (أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب) * ولفظ " النصيب " مجمل محتمل لكل الوجوه المذكورة. وقال بعض المحققين: حمله على العمر والرزق أولى، لأنه تعالى بين أنهم وإن بلغوا في الكفر ذلك المبلغ العظيم، إلا أن ذلك ليس بمانع من أن ينالهم ما كتب لهم من رزق وعمر تفضلا من الله تعالى، لكي يصلحوا ويتوبوا، وأيضا فقوله: * (حتى إذا جاءتهم رسلنا يتوفونهم) * يدل على أن مجيء الرسل للتوفي، كالغاية لحصول ذلك النصيب، فوجب أن يكون حصول ذلك النصيب متقدما على حصول الوفاة، والمتقدم على حصول الوفاة، ليس إلا العمر والرزق.
أما قوله: * (حتى إذا جاءتهم رسلنا يتوفونهم قالوا أينما كنتم) * ففيه مسائل:
المسألة الأولى: قال الخليل وسيبويه: لا يجوز إمالة " حتى " و " ألا " و " أما " وهذه ألفات ألزمت الفتح، لأنها أواخر حروف جاءت لمعان يفصل بينها وبين أواخر الأسماء التي فيها الألف، نحو: حبلى وهدى. إلا أن * (حتى) * كتبت بالياء لأنها على أربعة أحرف فأشبهت سكرى. وقال بعض النحويين: لا يجوز إمالة * (حتى) * لأنها حرف لا يتصرف، والإمالة ضرب من التصرف.
المسألة الثانية: قوله: * (حتى إذا جاءتهم رسلنا يتوفونهم) * فيه قولان:
القول الأول: المراد هو قبض الأرواح، لأن لفظ الوفاة يفيد هذا المعنى. قال ابن عباس الموت قيامة الكافر، فالملائكة يطالبونهم بهذه الأشياء عند الموت على سبيل الزجر والتوبيخ والتهديد، وهؤلاء الرسل هم ملك الموت وأعوانه.
والقول الثاني: وهو قول الحسن، وأحد قولي الزجاج أن هذا لا يكون في الآخرة ومعنى قوله: * (حتى إذا جاءتهم رسلنا) * أي ملائكة العذاب * (يتوفونهم) * أي يتوفون مدتهم عند حشرهم إلى