على حسن الصدق فلما أبطلنا ذلك عليهم رجعوا يجعلون الدلالة على وجوب فعل الصدق دون الكذب حسنه وهذا يؤدي إلى أن لا يثبت حسن الصدق ولا وجوب فعله وذلك أنا إذا لم نعلم وجوب فعل الصدق إلا إذا علمنا حسنه ولم نعلم حسنه إلا إذا علمنا وجوبه لم يكن لنا طريق إلى العلم بوجوبه ولا بحسنه كما أن قائلا لو قال إني لا أعلم أن زيدا في الدار حتى أعلم أن عمرا فيها ولا أعلم أن عمرا فيها حتى أعلم أن زيدا فيها لم يجز أن يعلم ان زيدا في الدار ولا عمرا لأنه قد جعل شرط علمه بالشيء شرطا لما هو شرط له وذلك ما يحيل وقوع كل واحد من المشروطين وإذا كان ذلك كذلك ثبت بهذه الجملة أن العلم بوجوب الأفعال وحظرها وإباحتها غير مدرك بقضايا العقول وثبت أنه لا بد من سمع يكشف عما ينال به الثواب والعقاب ويحظر الله تعالى به الجهل بوجوده وترك النظر فيما يؤدي إلى معرفته على من كلفه ذلك من خلقه وهذا أعظم الأمور وأجسمها خطرا وهذا غير مدرك علمه من جهة العقول فبطل قول البراهمة إن العقل يستغنى به في إدراك جميع المراشد والمصالح.
ثم يقال لهم خبرونا من أين عرفت العقلاء الأغذية من الأدوية والسموم القاتلة الوحية منها وغير الوحية وإنما هجموا على العالم بغتة وليس في دلائل عقولهم ما يعرفون به الأغذية والأدوية والسموم القاتلة ولا