باب في أنه مريد فإن قال قائل فما الدليل على أنه مريد قيل له وجود الأفعال منه وتقدم بعضها على بعض في الوجود وتأخر بعضها عن بعض في الوجود فلولا أنه قصد إلى إيجاد ما أوجد منها لما وجد ولا تقدم من ذلك ما تقدم ولا تأخر منه ما تأخر مع صحة تقدمه بدلا من تأخره وتأخره بدلا من تقدمه.
باب في الرضا والغضب وأنهما من الإرادة فإن قال قائل فهل تقولون إنه تعالى غضبان راض وإنه موصوف بذلك قيل له أجل وغضبه على من غضب عليه ورضاه عمن رضي عنه هما إرادته لإثابة المرضي عنه وعقوبة المغضوب عليه لا غير ذلك.
فإن قال قائل: فما الدليل على أن غضب الباري جل وعز ورضاه ورحمته وسخطه هو إرادته لإثابة المرضي عنه ولمنفعة من رضي عنه وعقاب من غضب عليه وإيلامه وضرره قيل له: الدليل على ذلك أن الغضب والرضا إما أن يكونا إرادة للنفع والضر أو يكون الغضب تغير الطبع ونفور النفس والرضى السكون بعد تغير الطبع ولا يجوز أن يكون الباري جل وعز ذا طبع يتغير وينفر ويسكن ولا ممن يألم ويرق من حيث ثبت قدمه وغناه عن اللذة وامتناع تألمه بشيء ينفر عنه ويتألم لإدراكه إذ ليست هذه الأشياء من جنسه وشكله أو مضادة له أو منافرة