عدلا من فعله سبحانه.
ومما يدل على جواز إرسال الله الرسل وأنه قد فعل ذلك علمنا بأن اليهود والنصارى والمسلمين قد أطبقوا على نقل أعلام موسى وعيسى ومحمد صلى الله عليه وسلم وعليهم وأن الكذب مستحيل جوازه على مثلهم من ناحية التراسل والتكاتب المواطأة على ذلك لأن تمام ذلك وانتظامه من مثلهم محال متعذر في العادة ومحال أيضا جوازه على مثلهم بأن يجتمعوا جميعا في بقعة واحدة من حيث يشاهد بعضهم بعضا ويتوافقوا على الكذب ونقله وإذاعته لأن اجتماع مثلهم في بقعة واحدة متعذر في مستقر العادة ولو أمكن أيضا اجتماعهم لتعذر في مستقر العادة تواطؤهم على الكذب ونقله واستتار ذلك منهم وانكتامه عليهم لأن العادة موضوعة على خلاف ذلك ويستحيل أيضا وقوع الكذب من جماعة من ذكرنا من نقله أعلام الرسل باتفاق وقوعه لأن العادة لم تجر باتفاق وقوع الكذب في مائة ألف إنسان عن مخبر واحد لداع واحد ودواع متفرقة وإن جاز ذلك من الواحد والاثنين والنفر اليسير وليس يمكن وقوع الكذب من هذه الجماعات إلا على هذه الوجوه فإذا امتنعت فسد جواز الكذب عليهم وفي فساد ذلك إيجاب صدقهم فيما نقلوه وصحة ما إليه ذهبنا ولو أمكن وقوع الكذب من جميع ما ذكرناه من نقلة أعلام الرسل على بعض هذه الوجوه أو غيرها لداع واحد أو دواع متباينة لأمكن وقوعه من نقلة الأمصار والبلدان والممالك