لأن الاضطرار في اللغة هو الحمل والإكراه وهو الإلجاء وكل هذه الألفاظ بمعنى واحد فلا فرق عندهم بين قول القائل اضطره السلطان إلى تسليم ماله وبيع عقاره وبين قوله أكرهه على ذلك وحمله عليه وألجأه إليه فالواجب بما وصفناه أن يكون ما قلنا هو معنى وصف العلم وغيره بأنه ضرورة.
وقد يوصف العلم وغيره من الأجناس بأنه ضرورة على معنى أن العالم به محتاج إليه لأن الضرورة في اللغة تكون بمعنى الحاجة يدل على ذلك قولهم فلان مضطر إلى تكفف الناس وسؤالهم يعنون أنه محتاج إلى ذلك ومنه قوله تعالى «فمن اضطر غير باغ ولا عاد» وقوله «إلا ما اضطررتم إليه» وهو الذي يريده المسلمون بقولهم إن المضطر إلى أكل الميتة قد أبيح له أكلها يعنون به المحتاج إلى ذلك فكل محتاج إلى علم أو غيره من الأجناس فهو مضطر إلى ما احتاج إليه.
باب العلم النظري فإن قيل فما معنى تسميتكم للضرب الآخر منها علم نظر واستدلال قيل له مرادنا بذلك أنه علم يقع بعقب استدلال وتفكر في حال المنظور فيه أو تذكر نظر فيه فكل ما احتاج من العلوم إلى تقدم الفكر والروية وتأمل حال المعلوم فهو الموصوف بقولنا علم نظري.