إن الطبائع الأربع قد كانت غير مركبة في الأجسام وقول من قال إن النور والظلام قد كانا في القدم خالصين غير ممتزجين لأن ذلك أجمع مما لم ير ولم يشاهد ولوجب على من نشأ في بلاد الزنج ولم يشاهد فيها إنسانا إلا أسود ولا ماء إلا عذبا ولا زرعا إلا أخضر أن يقضى على أنه لا إنسان ولا ماء ولا زرع إلا على صفة ما وجد وشاهد حتى ينفي وجود الروم والصقالبة وماء البحار والأحمر والأصفر من النبات فلما لم يجب ذلك أجمع وكان القضاء بذلك قضاء بالجهل بطل التعلق بمجرد الشاهد والوجود وزال جميع ما يسألون عنه من هذا الجنس.
باب الكلام على القائلين بفعل الطباع فإن قال قائل لم أنكرتم أن يكون صانع العالم طبيعة من الطبائع وجب حدوث العالم عن وجودها قيل له أنكرنا ذلك لأن هذه الطبيعة لا تخلو أن تكون معنى موجودا أو معدوما ليس بشيء فإن كانت معدومة ليست بشيء لم يجز أن تفعل شيئا أو أن يكون عنها شيء أو ينسب إليها شيء لأنه لو جاز ذلك جاز وجود الحوادث من كل معدوم وعن كل معدوم لأن ما يقع عليه هذا الاسم فليس بذات ولا يختص ببعض الأحكام والصفات فلو كان منه ما يحدث الأفعال أو تجب عنه لصح ذلك من كل معدوم وذلك باطل باتفاق.
وإن كانت الطبيعة التي نسب إليها السائل حدوث العلم وعلقه بها معنى موجودا لم تخل تلك الطبيعة الموجبة عندهم لحدوث العالم من أن تكون قديمة أو محدثة فإن كانت قديمة وجب أن تكون الحوادث الكائنة عنها