لم يكن ما أمر بكونه وكان ما لم يأمر به وهو تعالى مريد لكون ما لم يأمر به وغير مريد لما أمرهم به لم يلحقه عجز ولا تقصير. لأن ذلك إنما يلحق من خولف في أمره إذا أراد ما أمر به وكره ما نهى عنه فسقط ما سألتم عنه.
مسألة فإن قالوا فكيف يكون آمرا بما لا يريده ويكون بذلك حكيما؟.
قيل لهم هذا مما قد ورد به القرآن واتفق عليه سلف الأمة.
لأن الله تعالى أمر إبراهيم بذبح إسماعيل عليهما السلام ولم يرد ذلك منه بل نهاه عنه بعد أمره به وفداه مما أمره بفعله من ذبحه. ولو كان قد فعل الذبح لم يكن لافتدائه معنى. ولو كان إنما أمره بالإضجاع وإمرار السكين فقط دون الذبح لم يكن ذلك امتحانا منه ولم يكن لقوله «إن هذا لهو البلاء المبين» معنى ولا كان لافتدائه من إضجاع قد وقع معنى. وكذلك لو ذبحه ثم التحم لم يكن للفداء معنى ولا لبلائه معنى. وكذلك لو كان قد منعه من ذبحه بقلب صفحة عنقه نحاسا على ما يقوله بعض جهالهم لكان عندهم بذلك سفيها ومكلفا للفعل مع العجز عنه والمنع منه وذلك عندهم باطل.