ذاته مما يصح عليها العدم تارة والوجود أخرى ولو كانت كذلك لجرت مجرى سائر الذوات المحدثات التي يجوز عليها العدم تارة والوجود أخرى ولو كانت كذلك لاحتاجت إلى موجد يوجدها كما أن الحوادث التي هذه سبيلها لا تكون بالوجود أولى منها بالعدم إلا عند قصد قاصد وإرادة مريد تكون موجودة بإرادته ومتعلقة بمشيئته. فلما لم يجز تعلق القديم بمحدث لم يجز عليه العدم بعد وجوده.
باب في أن صنع الله للعالم ليس لغرض فإن قال قائل فهل تقولون إن صانع العالم صنعه بعد أن لم يصنعه لداع دعاه إلى فعله ومحرك حركه وباعث بعثه وغرض أزعجه وخاطر اقتضى وجود الحوادث منه أم صنعه لا لشيء مما سألت عنه قيل إنه تعالى صنع العالم لا لشيء مما سألت عنه فإن قيل: وما الدليل على ذلك قيل الدليل عليه أن الدواعي المزعجات والخواطر والأغراض إنما تكون وتجوز على ذي الحاجة الذي يصح منه اجتلاب المنافع ودفع المضار وذلك أمر لا يجوز إلا على من جازت عليه الآلام واللذات وميل الطبع والنفور وكل ذلك دليل على حدث من وصف به وحاجته إليه وهو منتف عن القديم تعالى وكذلك الأسباب المزعجة المحركة الباعثة على الأفعال إنما تحرك الغافل وتنبه الجاهل وتخطر للخائف والراجي الذي يخاف الاستضرار بترك الأفعال ويرجو بإيقاعها الصلاح والانتفاع والله يتعالى عن ذلك لأنه عالم بما يكون قبل أن يكون وبما تؤول إليه عواقب الأمور ويعلم السر وأخفى ولا يجوز على من