على مراشد الخلق ومصالحهم ومنع بها من التظالم وجعلها دلالة وذريعة إلى علم كل ما يحتاج إليه وليس يجوز أن يأتي الرسل بغير ما وضع في العقل فدل ذلك على الغنى عنهم وعدم حاجة الخلق إليهم. فيقال لهم ما أنكرتم من أنه لا سبيل من ناحية العقل إلى إيجاب شيء ولا إلى حظره ولا إلى إباحته وأن ذلك لا يثبت في أحكام الأشياء إلا من جهة السمع وأن التعريض للثواب لا يقع بالأفعال الواقعة مع فقد السمع لأنها لا تكون مع فقده طاعة لله سبحانه ولا قربة إليه ولا يثاب صاحبها وإذا كان ذلك كذلك فلا بد من سمع يأتي على لسان رسول بفعل قرر السمع وجوبه فعلم أن العلم بالقرب وحصول الثواب عليها لا يجوز أن يثبت عقلا فقد بطل قولكم إن جميع ما يحتاج إليه العباد من المراشد والمصالح مدرك من ناحية العقول فدلوا على صحة ما تدعونه من إيجاب العقل لشيء من الأفعال وحظر شيء منها وإباحته حتى يسلم لكم ما بنيتم عليه.
فإن قالوا أو قال إخوانهم من المعتزلة الدليل على ذلك علمنا بوجوب النظر عند قرع الخواطر لقلوبنا وتخويف بعضها من الضرر بترك النظر ونعلم أيضا وجوب شكر المنعم وترك الكفر به ووجوب معرفة الله وحسن العدل والإنصاف وقبح الظلم والعدوان فوجب تقرير الفرائض من ناحية العقول يقال لهم أما قولكم إنكم تعلمون وجوب النظر اضطرارا عند اختلاج الخواطر على القلوب فإنه باطل لأن ذلك لو كان كذلك لاشترك في علمه جميع العاقلين ولم يسع جحده من قوم بهم ثبتت الحجة