وإن قال الفريقان ومن تابعهم: الدليل على أن قضايا العقول تحسن وتقبح علمنا بأن من أمكنه التوصل إلى غرضه بالصدق والكذب وجب عليه أن يتوصل إليه بالصدق دون الكذب وأنه لا يقع منه إلا ذلك وليس يترك إلى الغرض في هذه الأمور بالكذب إلى الصدق إلا لحسن الصدق وقبح الكذب فوجب قضاء العقل على حسن الحسن وقبح القبيح فيقال لهم ما أنكرتم من أنه إن كان القاصد إلى التوصل إلى غرضه ممن لا يعتقد تفضيل الصدق على الكذب ولا هو بين قوم يعتقدون ذلك ولا يرون في الكذب عارا ولا في الصدق مدحا ولا تعظيما ولا يفرقون في التفضيل بين الكذب والصدق وبين الكذب والصدق ولا يدينون بذلك أنه مخير في التوصل إلى غرضه بين الصدق والكذب كما أن المعتقد للتوصل إلى غرضه بكل واحد من الدرهمين اللذين معه على وجه واحد وبالكلام والسكوت على حد غير مختلف وبحركة يمينه وشماله والدفع بهما من غير مزية تحصل في الدفع بإحداهما مخير بين إنفاق أي الدرهمين شاء وبين السكوت والكلام والتحريك باليمين والشمال إذ استوت هذه الحال عنده في ذلك واعتدلت في نفسه وإذا كان ذلك كذلك سقط ما اعتللتم به.
فإن قالوا بعد هذا: يجب على هذا الإنسان أن يختار الصدق على الكذب لحسنه قيل لهم ذلك جهل من الكلام وعدول عن النظر وذلك أنهم جعلوا وجوب التوصل إلى الغرض بفعل الصدق دون الكذب دلالة