فتأويل الآية على قول هؤلاء: حرمت الموقوذة والمتردية إن ماتت من التردي والوقذ والنطح وفرس السبع، إلا أن تدركوا ذكاتها، فتدركوها قبل موتها، فتكون حينئذ حلالا أكلها.
وقال آخرون: هو استثناء من التحريم، وليس باستثناء من المحرمات التي ذكرها الله تعالى في قوله: حرمت عليكم الميتة لان الميتة لا ذكاة لها ولا للخنزير. قالوا: وإنما معنى الآية: حرمت عليكم الميتة والدم، وسائر ما سمينا مع ذلك، إلا ما ذكيتم مما أحله الله لكم بالتذكية، فإنه لكم حلال. وممن قال ذلك جماعة من أهل المدينة. ذكر بعض من قال ذلك:
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال مالك: وسئل عن الشاة التي يخرق جوفها السبع حتى تخرج أمعاءها، فقال مالك: لا أرى أن تذكى ولا يؤكل أي شئ يذكى منها.
حدثني يونس، عن أشهب، قال: سئل مالك، عن السبع يعدو على الكبش، فيدق ظهره، أترى أن يذكى قبل أن يموت فيؤكل؟ إن كان بلغ السحر، فلا أرى أن يؤكل، وإن كان إنما أصاب أطرافه، فلا أرى بذلك بأسا. قيل له: وثب عليه فدق ظهره؟
قال: لا يعجبني أن يؤكل، هذا لا يعيش منه. قيل له: فالذئب يعدو على الشاة فيشق بطنها ولا يشق الأمعاء؟ قال: إذا شق بطنها فلا أرى أن تؤكل.
وعلى هذا القول يجب أن يكون قوله: إلا ما ذكيتم استثناء منقطعا، فيكون تأويل الآية: حرمت عليكم الميتة والدم، وسائر ما ذكرنا، ولكن ما ذكيتم من الحيوانات التي أحللتها لكم بالتذكية حلال.
وأولى القولين في ذلك عندنا بالصواب القول الأول، وهو أن قوله: إلا ما ذكيتم استثناء من قوله: وما أهل لغير الله به والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع لان كل ذلك مستحق الصفة التي هو بها قبل حال موته، فيقال: لما قرب المشركون لآلهتهم فسموه لهم: هو ما أهل لغير الله به بمعنى: سمى قربانا لغير الله. وكذلك المنخنقة: إذا انخنقت، وإن لم تمت فهي منخنقة، وكذلك سائر ما حرمه الله عز وجل بعد قوله: وما أهل لغير الله به إلا بالتذكية فإنه يوصف بالصفة التي هو بها قبل موته، فحرمه الله على عباده إلا بالتذكية المحللة دون الموت بالسبب الذي كان به موصوفا. فإذ كان ذلك