وهو واقف بعرفات، وقد أطاف به الناس، وتهدمت منار الجاهلية ومناسكهم، واضمحل الشرك، ولم يطف حول البيت عريان، فأنزل الله: اليوم أكملت لكم دينكم.
حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن داود، عن الشعبي، بنحوه.
القول في تأويل قوله تعالى: ورضيت لكم الاسلام دينا.
يعني بذلك جل ثناؤه: ورضيت لكم الاستسلام لأمري والانقياد لطاعتي، على ما شرعت لكم من حدوده وفرائضه ومعالمه دينا يعني بذلك: طاعة منكم لي.
فإن قال قائل: أو ما كان الله راضيا الاسلام لعباده، إلا يوم أنزل هذه الآية؟ قيل: لم يزل الله راضيا لخلقه الاسلام دينا، ولكنه جل ثناؤه لم يزل يصرف نبيه محمدا (ص) وأصحابه في درجات ومراتبه درجة بعد درجة ومرتبة بعد مرتبة وحالا بعد حال، حتى أكمل لهم شرائعه ومعالمه وبلغ بهم أقصى درجاته الاسلام ومراتبه، ثم قال حين أنزل عليهم هذه الآية:
ورضيت لكم الاسلام دينا بالصفة التي هو بها اليوم، والحال التي أنتم عليها اليوم منه دينا فالزموه ولا تفارقوه. وكان قتادة يقول في ذلك ما:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قال: ذكر لنا أنه يمثل لأهل كل دين دينهم يوم القيامة، فأما الايمان فيبشر أصحابه وأهله، ويعدهم في الخير حتى يجئ الاسلام. فيقول: رب أنت السلام وأنا الاسلام، فيقول: إياك اليوم أقبل، وبك اليوم أجزي.
وأحسب أن قتادة وجه معنى الايمان بهذا الخبر إلى معنى التصديق والاقرار باللسان، لان ذلك معنى الايمان عند العرب، ووجه معنى الاسلام إلى استسلام القلب وخضوعه لله بالتوحيد، وانقياد الجسد له بالطاعة فيما أمر ونهى، فلذلك قيل للاسلام: إياك اليوم أقبل، وبك اليوم أجزي.
ذكر من قال: نزلت هذه الآية بعرفة في حجة الوداع على رسول الله (ص):
حدثنا محمد بن بشار وابن وكيع، قالا: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن قيس بن مسلم، عن طارق بن شهاب، قال: قالت اليهود لعمر: إنكم تقرأون آية لو أنزلت فينا لاتخذناها عيدا. فقال عمر: إني لأعلم حين أنزلت، وأين أنزلت، وأين