القول في تأويل قوله تعالى: أن صدوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا.
اختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأه بعض أهل المدينة وعامة قراء الكوفيين: أن صدوكم بفتح الألف من أن بمعنى: لا يجرمنكم بغض قوم بصدهم إياكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا. وكان بعض قراء الحجاز والبصرة يقرأ ذلك: ولا يجرمنكم شنآن قوم إن صدوكم بكسر الألف من إن بمعنى: ولا يجرمنكم شنآن قوم إن هم أحدثوا لكم صدا عن المسجد الحرام، أن تعتدوا. فزعموا أنها في قراءة ابن مسعود: إن يصدكم فقرأوا ذلك كذلك اعتبارا بقراءته.
والصواب من القول في ذلك عندي، أنهما قراءتان معروفتان مشهورتان في قراءة الأمصار، صحيح معنى كل واحدة منهما. وذلك أن النبي (ص) صد عن البيت هو وأصحابه يوم الحديبية، وأنزلت عليه سورة المائدة بعد ذلك. فمن قرأ: أن صدوكم بفتح الألف من أن فمعناه: لا يحملنكم بغض قوم أنها الناس من أجل أن صدوكم يوم الحديبية عن المسجد الحرام، أن تعتدوا عليهم. ومن قرأ: إن صدوكم بكسر الألف، فمعناه: لا يجرمنكم شنآن قوم إن صدوكم عن المسجد الحرام إذا أردتم دخوله، لان الذين حاربوا رسول الله (ص) وأصحابه من تقريش يوم فتح مكة قد حاولوا صدهم عن المسجد الحرام م قبل أن يكون ذلك من الصادين. غير أن الامر وإن كان كما وصفت، فإن قراءة ذلك بفتح الألف أبين معنى، لان هذه السورة لا تدافع بين أهل العلم في أنها نزلت بعد يوم الحديبية. وإذ كان ذلك كذلك، فالصد قد كان تقدم من المشركين، فنهى الله المؤمنين عن الاعتداء على الصادين من أجل صدهم إياهم عن المسجد الحرام، وأما قوله: أن تعتدوا فإنه يعني:
أن تجاوزا الحد الذي حده الله لكم في أمرهم. فتأويل الآية إذن: ولا يحملنكم بغض قوم لان صدوكم عن المسجد الحرام أيها المؤمنون أن تعتدوا حكم الله فيهم فتجاوزوه إلى ما نهاكم عنه، ولكن ألزموا طاعة الله فيما أحببتم وكرهتم. وذكر أنها نزلت في النهي عن الطلب بذحول الجاهلية. ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: أن تعتدوا رجل مؤمن من حلفاء محمد، قتل حليفا