وكان بعض أهل التأويل يقول: عنى بالربانيين والأحبار في هذا الموضع: ابنا صوريا اللذان أقرا لرسول الله (ص) بحكم الله تعالى في التوراة على الزانيين المحصنين. ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي، قال: كان رجلان من اليهود أخوان يقال لهما ابنا صوريا، وقد اتبعا النبي (ص) ولم يسلما، وأعطياه عهدا أن لا يسألهما عن شئ في التوراة إلا أخبراه به. وكان أحدهما ربيا، والآخر حبرا، وإنما اتبعا النبي (ص) يتعلمان منه. فدعاهما فسألهما، فأخبراه الامر كيف كان حين زنى الشريف وزنى المسكين، وكيف غيروه. فأنزل الله: إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا يعني: النبي (ص) والربانيون والأحبار: هما ابنا صوريا. للذين هادوا. ثم ذكر ابني صوريا، فقال: والربانيون والأحبار بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء.
والصواب من القول في ذلك عندي، أن يقال: إن الله تعالى ذكره أخبر أن التوراة يحكم بها مسلمو الأنبياء لليهود والربانيون من خلقه والأحبار. وقد يجوز أن يكون عني بذلك ابنا صوريا وغيرهما، غير أنه قد دخل في ظاهر التنزيل مسلمو الأنبياء وكل رباني وحبر، ولا دلالة في ظاهر التنزيل على أنه معنى به خاص من الربانيين والأحبار، ولا قامت بذلك حجة يجب التسليم لها، فكل رباني وحبر داخل في الآية بظاهر التنزيل.
وبمثل الذي قلنا في تأويل الأحبار قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
حدثنا سفيان بن وكيع، قال: ثنا أبي، عن سلمة، عن الضحاك: الربانيون والأحبار: قراؤهم وفقهاؤهم.
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا حفص، عن أشعث، عن الحسن: الربانيون والأحبار: الفقهاء والعلماء.
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا ابن عيينة، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد:
الربانيون العلماء الفقهاء، وهم فوق الأحبار.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: الربانيون: فقهاء اليهود، والأحبار: علماؤهم.