قال: عظم والله في الوزر كما تسمعون، ورغب والله في الاجر كما تسمعون إذا ظننت يا ابن آدم أنك لو قتلت الناس جميعا فإن لك من عملك ما تفوز به من النار، كذبتك والله نفسك، وكذبك الشيطان.
حدثنا هناد، قال: ثنا ابن فضيل، عن عاصم، عن الحسن في قوله:
فكأنما قتل الناس جميعا قال: وزرا ومن أحياها فكأنما أحيى الناس جميعا. قال:
أجرا.
وأولى هذه الأقوال عندي بالصواب قول من قال: تأويل ذلك أنه من قتل نفسا مؤمنة بغير نفس قتلتها فاستحقت القود بها والقتل قصاصا، أو بغير فساد في الأرض، بحرب الله ورسوله وحرب المؤمنين فيها، فكأنما قتل الناس جميعا فيما استوجب من عظيم العقوبة من الله جل ثناؤه، كما أوعده ذلك من فعله ربه بقوله: ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما.
وأما قوله: ومن أحياها فكأنما أحيى الناس جميعا فأولى التأويلات به قول من قال: من حرم قتل من حرم الله عز ذكره قتله على نفسه، فلم يتقدم على قتله، فقد حيي الناس منه بسلامتهم منه، وذلك إحياؤه إياها. وذلك نظير خبر الله عز ذكره عمن حاج إبراهيم في ربه، إذ قال له إبراهيم: ربي الذين يحيى ويميت قال أنا أحيى وأميت.
فكان معنى الكافر في قيله: أنا أحيى وأميت: أنا أترك من قدرت على قتله وفي قوله:
وأميت: قتله من قتله. فكذلك معن الاحياء في قوله: ومن أحياها: من سلم الناس من قتله إياهم، إلا فيما أذن الله في قتله منهم فكأنما أحيى الناس جميعا.
وإنما قلنا ذلك أولى التأويلات بتأويل الآية، لأنه لا نفس يقوم قتلها في عاجل الضر مقام قتل جميع النفوس، ولا إحياؤها مقام إحياء جميع النفوس في عاجل النفع، فكان معلوما بذلك أن معنى الاحياء: سلامة جميع النفوس منه، لأنه من لم يتقدم على نفس واحدة، فقد سلم منه جميع النفوس، وأن الواحدة منها التي يقوم قتلها مقام جميعها إنما هو في الوزر، لأنه لا نفس من نفوس بني آدم يقوم فقدها مقام فقد جميعها وإن كان فقد بعضها أعم ضررا من فقد بعض.