أخبرهم جل ثناؤه أنه قد أحل لهم ما عدا هؤلاء المحرمات المبينات في هاتين الآيتين أن نبتغيه بأموالنا نكاحا وملك يمين لا سفاحا.
فإن قال قائل: عرفنا المحللات اللواتي هن وراء المحرمات بالأنساب والأصهار، فما المحللات من المحصنات والمحرمات منهن؟ قيل: هو ما دون الخمس من واحدة إلى أربع على ما ذكرنا عن عبيدة والسدي من الحرائر، فأما ما عدا ذوات الأزواج فغير عدد محصور بملك اليمين.
وإنما قلنا إن ذلك كذلك، لان قوله: * (وأحل لكم ما وراء ذلكم) * عام في كل محلل لنا من النساء أن نبتغيها بأموالنا، فليس توجيه معنى ذلك إلى بعض منهن بأولى من بعض، إلا أن تقوم بأن ذلك كذلك حجة يجب التسليم لها، ولا حجة بأن ذلك كذلك.
واختلف القراء في قراءة قوله: * (وأحل لكم ما وراء ذلكم) * فقرأ ذلك بعضهم:
وأحل لكم بفتح الألف من أحل، بمعنى: كتب الله عليكم وأحل لكم ما وراء ذلكم.
وقرأه آخرون: * (وأحل لكم ما وراء ذلكم) * اعتبارا بقوله: * (حرمت عليكم أمهاتكم...
وأحل لكم ما وراء ذلكم) *.
قال أبو جعفر: والذي نقول في ذلك أنهما قراءتان معروفتان مستفيضتان في قراءة الاسلام غير مختلفتي المعنى، فبأي ذلك قرأ القارئ فمصيب الحق.
وأما معنى قوله: * (ما وراء ذلكم) * فإنه يعني: ما عدا هؤلاء اللواتي حرمتهن عليكم أن تبتغوا بأموالكم، يقول: أن تطلبوا وتلتمسوا بأموالكم، إما شراء بها وإما نكاحا بصداق معلوم، كما قال جل ثناؤه: * (ويكفرون بما وراءه) * يعني: بما عداه وبما سواه. وأما موضع أن من قوله: * (أن تبتغوا بأموالكم) * فرفع ترجمة عن ما التي في قوله: * (وأحل لكم ما وراء ذلكم) * في قراءة من قرأ: * (وأحل) * بضم الألف. ونصب على ذلك في قراءة من قرأ ذلك: وأحل بفتح الألف. وقد يحتمل النصب في ذلك في القراءتين على معنى:
وأحل لكم ما وراء ذلكم لان تبتغوا، فلما حذفت اللام الخافضة اتصلت بالفعل قبلها فنصبت. وقد يحتمل أن تكون في موضع خفض بهذا المعنى إذ كانت اللام في هذا الموضع معلوما أن بالكلام إليها الحاجة.