كانوا أو مغلوبين، والتهاون بأحوال المنافقين في جهاد من جاهدوا من المشركين، وقع جهادهم إياهم مغلوبين كانوا أو غالبين، منزلة من الله رفيعة. يقول الله لهم جل ثناؤه: * (فليقاتل في سبيل الله) * يعني: في دين الله والدعاء إليه والدخول فيما أمر به أهل الكفر به، * (الذين يشرون الحياة الدنيا بالآخرة) * يعني: الذين يبيعون حياتهم الدنيا بثواب الآخرة وما وعد الله أهل طاعته فيها. وبيعهم إياها بها، إنفاقهم أموالهم في طلب رضا الله، كجهاد من أمر بجهاده من أعدائه وأعداء دينه، وبذلهم مهجهم له في ذلك. أخبر جل ثناؤه بما لهم في ذلك إذا فعلوه، فقال: * (ومن يقاتل في سبيل الله فيقتل أو يغلب فسوف نؤتيه أجرا عظيما) * يقول: ومن يقاتل في طلب إقامة دين الله وإعلاء كلمة الله أعداء الله، فيقتل، يقول: فيقتله أعداء الله أو يغلبهم، فيظفر بهم، * (فسوف نؤتيه أجرا عظيما) * يقول: فسوف نعطيه في الآخرة ثوابا وأجرا عظيما. وليس لما سمي جل ثناؤه عظيما مقدار يعرف مبلغه عباد الله.
وقد دللنا على أن الأغلب على معنى شريت في كلام العرب بعت بما أغنى. وقد:
حدثنا محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن مفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي: * (فليقاتل في سبيل الله الذين يشرون الحياة الدنيا بالآخرة) * يقول: يبيعون الحياة الدنيا بالآخرة.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: * (يشرون الحياة الدنيا بالآخرة) * فيشري: يبيع، ويشري: يأخذ، وإن الحمقى باعوا الدنيا بالآخرة. القول في تأويل قوله تعالى: * (وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها واجعل لنا من لدنك وليا واجعل لنا من لدنك نصيرا) *..
يعني بذلك جل ثناؤه: وما لكم أيها المؤمنون لا تقاتلون في سبيل الله، وفي المستضعفين، يقول: عن المستضعفين منكم من الرجال والنساء والولدان. فأما من الرجال فإنهم كانوا قد أسلموا بمكة، فغلبتهم عشائرهم على أنفسهم بالقهر لهم وآذوهم ونالوهم بالعذاب والمكاره في أبدانهم، ليفتنوهم عن دينهم. فحض الله المؤمنين على