وأما على تأويل ابن عباس وابن زيد: إن الله لا يحب من كان مختالا فخورا، الذين يبخلون على الناس بفضل ما رزقهم الله من أموالهم. ثم سائر تأويلهما وتأويل غيرهما سواء.
وأولى الأقوال بالصواب في ذلك ما قاله الذين قالوا: إن الله وصف هؤلاء القوم الذين وصف صفتهم في هذه الآية بالبخل، بتعريف من جهل أمر محمد (ص) أنه حق، وأن محمدا لله نبي مبعوث، وغير ذلك من الحق الذي كان الله تعالى ذكره قد بينه فيما أوحى إلى أنبيائه من كتبه، فبخل بتبيينه للناس هؤلاء، وأمروا من كانت حاله حالهم في معرفتهم به أن يكتموه من جهل ذلك، ولا يبينوه للناس.
وإنما قلنا: هذا القول أولى بتأويل الآية، لان الله جل ثناؤه وصفهم بأنهم يأمرون الناس بالبخل، ولم يبلغنا عن أمة من الأمم أنها كانت تأمر الناس بالبخل ديانة ولا تخلقا، بل ترى ذلك قبيحا، ويذم فاعله، ولا يمتدح، وإن هي تخلقت بالبخل واستعملته في أنفسها، فالسخاء والجود تعده من مكارم الأفعال، وتحث عليه، ولذلك قلنا: إن بخلهم الذي وصفهم الله به إنما كان بخلا بالعلم الذي كان الله آتاهموه، فبخلوا بتبيينه للناس، وكتموه دون البخل بالأموال. إلا أن يكون معنى ذلك الذين يبخلون بأموالهم التي ينفقونها في حقوق الله وسبله، ويأمرون الناس من أهل الاسلام بترك النفقة في ذلك، فيكون بخلهم بأموالهم وأمرهم الناس بالبخل. فهذا المعنى على ما ذكرنا من الرواية عن ابن عباس، فيكون لذلك وجه مفهوم في وصفهم بالبخل وأمرهم به.
القول في تأويل قوله تعالى: * (وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا) *.
يعني بذلك جل ثناؤه * (وأعتدنا) *: وجعلنا للجاحدين نعمة الله التي أنعم بها عليهم من المعرفة بنبوة محمد (ص)، المكذبين به بعد علمهم به، الكاتمين نعته وصفته من أمرهم الله ببيانه له من الناس، * (عذابا مهينا) * يعني: العقاب المذل من عذب بخلوده فيه عتادا له في آخرته، إذا قدم على ربه وجده بما سلف منه من جحوده فرض الله الذي فرض عليه.
القول في تأويل قوله تعالى:
* (والذين ينفقون أموالهم رئاء الناس ولا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ومن يكن الشيطان له قرينا فسآء قرينا) *..
يعني بذلك جل ثناؤه: وأعتدنا للكافرين بالله من اليهود الذين وصف الله صفتهم