يضلون إلا أنفسهم وما يضرونك من شئ وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيما) *..
يعني بقوله جل ثناؤه: * (ولولا فضل الله عليك ورحمته) * ولولا أن الله تفضل عليك يا محمد فعصمك بتوفيقه وتبيانه لك أمر هذا الخائن، فكففت لذلك عن الجدال عنه، ومدافعة أهل الحق عن حقهم قبله، * (لهمت طائفة منهم) * يقول: لهمت فرقة منهم، يعني من هؤلاء الذين يختانون أنفسهم، * (أن يضلوك) * يقول: يزلوك عن طريق الحق، وذلك لتلبيسهم أمر الخائن عليه (ص) وشهادتهم للخائن عنده بأنه برئ مما ادعى عليه، ومسألتهم إياه أن يعذره ويقوم بمعذرته في أصحابه، فقال الله تبارك وتعالى: وما يضل هؤلاء الذين هموا بأن يضلوك عن الواجب من الحكم في أمر هذا الخائن درع جاره، إلا أنفسهم.
فإن قال قائل: ما كان وجه إضلالهم أنفسهم؟ قيل: وجه إضلالهم أنفسهم: أخذهم بها في غير ما أباح الله لهم الاخذ بها فيه من سبله، وذلك أن الله جل ثناؤه قد كان تقدم إليهم فيما تقدم في كتابه على لسان رسوله إلى خلقه بالنهي عن أن يتعاونوا على الاثم والعدوان والامر بالتعاون على الحق، فكان من الواجب لله فيمن سعى في أمر الخائنين الذين وصف الله أمرهم بقوله: * (ولا تكن للخائنين خصيما) * معاونة من ظلموه دون من خاصمهم إلى رسول الله (ص) في طلب حقه منهم، فكان سعيهم في معونتهم دون معونة من ظلموه، أخذا منهم في غير سبيل الله، وذلك هو إضلالهم أنفسهم، الذي وصفه الله فقال: * (وما يضلون إلا أنفسهم وما يضرونك من شئ) * وما يضرك هؤلاء الذين هموا لك أن يزلوك عن الحق في أمر هذا الخائن من قومه وعشيرته من شئ، لان الله مثبتك ومسددك في أمورك ومبين لك أمر من سعوا في ضلالك عن الحق في أمره وأمرهم، ففاضحه وإياهم.
وقوله: * (وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة) * يقول: ومن فضل الله عليك يا محمد مع سائر ما تفضل به عليك من نعمه، أنه أنزل عليك الكتاب، وهو القرآن الذي فيه بيان كل شئ، وهدى وموعظة، * (والحكمة) *: يعني وأنزل عليك مع الكتاب الحكمة، وهي ما كان في الكتاب مجملا ذكره، من حلاله وحرامه، وأمره ونهيه وأحكامه، ووعده ووعيده. * (وعلمك ما لم تكن تعلم) * من خبر الأولين والآخرين، وما كان، وما هو كائن قبل، ذلك من فضل الله عليك يا محمد مذ خلقك، فاشكره على ما أولاك من إحسانه إليك بالتمسك بطاعته، والمسارعة إلى رضاه ومحبته، ولزوم العمل بما أنزل إليك في كتابه وحكمته،