محصنة، كما قال جل ثناؤه: * (ومريم ابنة عمران التي أحصنت فرجها) * بمعنى: حفظته من الريبة ومنعته من الفجور. وإنما قيل لحصون المدائن والقرى حصون لمنعها من أرادها وأهلها، وحفظها ما وراءها ممن بغاها من أعدائها، ولذلك قيل للدرع درع حصينة. فإذا كان أصل الاحصان ما ذكرنا من المنع والحفظ فبين أن معنى قوله: * (والمحصنات من النساء) *: والممنوعات من النساء حرام عليكم * (إلا ما ملكت أيمانكم) *. وإذ كان ذلك معناه، وكان الاحصان قد يكون بالحرية، كما قال جل ثناؤه: * (والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم) * ويكون بالاسلام، كما قال تعالى ذكره: * (فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب) * ويكون بالعفة كما قال جل ثناؤه: * (والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء) * ويكون بالزوج، ولم يكن تبارك وتعالى خص محصنة دون محصنة في قوله: * (والمحصنات من النساء) * فواجب أن يكون كل محصنة بأي معاني الاحصان كان إحصانها حراما علينا سفاحا أو نكاحا، إلا ما ملكته أيماننا منهن بشراء، كما أباحه لنا كتاب الله جل ثناؤه، أو نكاح على ما أطلقه لنا تنزيل الله. فالذي أباحه الله تبارك وتعالى لنا نكاحا من الحرائر الأربع سوى اللواتي حرمن علينا بالنسب والصهر، ومن الإماء ما سبينا من العدو سوى اللواتي وافق معناهن معنى ما حرم علينا من الحرائر بالنسب والصهر، فإنهن والحرائر فيما يحل ويحرم بذلك المعنى متفقات المعاني، وسوى اللواتي سبيناهن من أهل الكتابين ولهن أزواج، فإن السباء يحلهن لمن سباهن بعد الاستبراء، وبعد اخراج حق الله تبارك وتعالى الذي جعله لأهل الخمس منهن.
فأما السفاح فإن الله تبارك وتعالى حرمه من جميعهن، فلم يحله من حرة ولا أمة ولا مسلمة ولا كافرة مشركة. وأما الأمة التي لها زوج فإنها لا تحل لمالكها إلا بعد طلاق زوجها إياها، أو وفاته وانقضاء عدتها منه، فأما بيع سيدها إياها فغير موجب بينها وبين زوجها فراقا ولا تحليلا لمشتريها، لصحة الخبر عن رسول الله (ص): أنه خير بريرة إذ أعتقتها عائشة بين المقام مع زوجها الذي كان سادتها زوجوها منه في حال رقها، وبين فراقه ولم