ومخالفة من حاول إضلالك عن طريقه ومنهاج دينه، فإن الله هو الذي يتولاك بفضله، ويكفيك غائلة من أرادك بسوء وحاول صدك عن سبيله، كما كفاك أمر الطائفة التي همت أن تضلك عن سبيله في أمر هذا الخائن، ولا أحد من دونه ينقذك من سوء إن أراد بك إن أنت خالفته في شئ من أمره ونهيه واتبعت هوى من حاول صدك عن سبيله. وهذه الآية تنبيه من الله نبيه محمدا (ص) على موضع حظه، وتذكير منه له الواجب عليه من حقه. القول في تأويل قوله تعالى: * (لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضات الله فسوف نؤتيه أجرا عظيما) *..
يعني جل ثناؤه بقوله: * (لا خير في كثير من نجواهم) *: لا خير في كثير من نجوى الناس جميعا. * (إلا من أمر بصدقة أو معروف) * والمعروف: هو كل ما أمر الله به أو ندب إليه من أعمال البر والخير. * (أو إصلاح بين الناس) * وهو الاصلاح بين المتباينين أو المختصمين بما أباح الله الاصلاح بينهما ليتراجعا إلى ما فيه الألفة واجتماع الكلمة على ما أذن الله وأمر به. ثم أخبر جل ثناؤه بما وعد من فعل ذلك، فقال: * (ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضات الله فسوف نؤتيه أجرا عظيما) * يقول: ومن يأمر بصدقة أو معروف من الامر، أو يصلح بين الناس ابتغاء مرضاة الله، يعني طلب رضا الله بفعله ذلك، * (فسوف نؤتيه أجرا عظيما) * يقول: فسوف نعطيه جزاء لما فعل من ذلك عظيما، ولا حد لمبلغ ما سمى الله عظيما يعلمه سواه.
واختلف أهل العربية في معنى قوله: * (لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة) * فقال بعض نحويي البصرة: معنى ذلك: لا خير في كثير من نجواهم إلا في نجوى من أمر بصدقة. كأنه عطف من على الهاء والميم التي في نجواهم. وذلك خطأ عند أهل العربية لان إلا لا تعطف على الهاء والميم في مثل هذا الموضع من أجل أنه لم ينله الجحد. وقال بعض نحويي الكوفة: قد تكون من في موضع خفض ونصب، وأما الخفض فعل قولك: * (لا خير في كثير من نجواهم) * إلا فيمن أمر بصدقة، فتكون النجوى على هذا التأويل هم الرجال المناجون، كما قال جل ثناؤه: * (ما يكون من نجوى ثلاثة إلا