الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهن أجورهن) * قالوا: فقد أحل الله محصنات أهل الكتاب عاما، فليس لأحد أن يخص منهن أمة ولا حرة. قالوا: ومعنى قوله: * (فتياتكم المؤمنات) *: غير المشركات من عبدة الأوثان.
قال أبو جعفر: وأولى القولين في ذلك بالصواب قول من قال: هو دلالة على تحريم نكاح إماء أهل الكتاب فإنهن لا يحللن إلا بملك اليمين، وذلك أن الله جل ثناؤه أحل نكاح الإماء بشروط، فما لم تجتمع الشروط التي سماها فيهن، فغير جائز لمسلم نكاحهن.
فإن قال قائل: فإن الآية التي في المائدة تدل على إباحتهن بالنكاح؟ قيل: إن التي في المائدة قد أبان أن حكمها في خاص من محصناتهم، وأنها معنى بها حرائرهم دون إمائهم، قوله: * (من فتياتكم المؤمنات) * وليست إحدى الآيتين دافعة حكمها حكم الأخرى، بل إحداهما مبينة حكم الأخرى، وإنما تكون إحداهما دافعة حكم الأخرى لو لم يكن جائزا اجتماع حكميهما على صحة، فأما وهما جائز اجتماع حكمهما على الصحة، فغير جائز أن يحكم لإحداهما بأنها دافعة حكم الأخرى إلا بحجة التسليم لها من خبر أو قياس، ولا خبر بذلك ولا قياس، والآية محتملة ما قلنا: والمحصنات من حرائر الذين أوتوا الكتاب من قبلكم دون إمائهم.
القول في تأويل قوله تعالى: * (والله أعلم بإيمانكم بعضكم من بعض) *.
وهذا من المؤخر الذي معناه التقديم وتأويل ذلك: ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات، فمما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات، فلينكح بعضكم من بعض، بمعنى: فلينكح هذا فتاة هذا. فالبعض مرفوع بتأويل الكلام، ومعناه إذ كان قوله: * (فمما ملكت أيمانكم) * في تأويل: فلينكح مما ملكت أيمانكم، ثم رد بعضكم على ذلك المعنى فرفع. ثم قال جل ثناؤه: * (والله أعلم بإيمانكم) *: أي والله أعلم بإيمان من آمن منكم بالله ورسوله، وما جاء به من عند الله، فصدق بذلك كله منكم، يقول: فلينكح من لم يستطع منكم طولا لحرة من فتياتكم المؤمنات، لينكح هذا المقتر الذي لا يجد طولا لحرة من هذا الموسر فتاته المؤمنة التي قد أبدت الايمان فأظهرته وكلوا سرائرهن إلى الله، فإن علم ذلك إلى الله دونكم، والله أعلم بسرائركم وسرائرهن.
القول في تأويل قوله تعالى: * (فانكحوهن بإذن أهلهن وآتوهن أجورهن بالمعروف) *.