(ستجدون آخرين يريدون أن يأمنوكم ويأمنوا قومهم كل ما ردوا إلى الفتنة أركسوا فيها فإن لم يعتزلوكم ويلقوا إليكم السلم ويكفوا أيديهم فخذوهم واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأولئكم جعلنا لكم عليهم سلطانا مبينا) *..
وهؤلاء فريق آخر من المنافقين كانوا يظهرون الاسلام لرسول الله (ص) وأصحابه ليأمنوا به عندهم من القتل والسباء وأخذ الأموال وهم كفار، يعلم ذلك منهم قومهم، إذا لقوهم كانوا معهم وعبدوا ما يبعدونه من دون الله ليأمنوهم على أنفسهم وأموالهم ونسائهم وذراريهم، يقول الله: * (كلما ردوا إلى الفتنة أركسوا فيها) * يعني: كلما دعاهم إلى الشرك بالله ارتدوا فصاروا مشركين مثلهم.
واختلف أهل التأويل في الذين عنوا بهذه الآية، فقال بعضهم: هم ناس كانوا من أهل مكة أسلموا على ما وصفهم الله به من التقية وهم كفار، ليأمنوا على أنفسهم وأموالهم وذراريهم ونسائهم، يقول الله: * (كلما ردوا إلى الفتنة أركسوا فيها) * يعني: كلما دعاهم إلى الشرك بالله ارتدوا، فصاروا مشركين مثلهم ليأمنوا عند هؤلاء وهؤلاء. ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: * (يريدون أن يأمنوكم ويأمنوا قومهم) * قال ناس كانوا يأتون النبي (ص)، فيسلمون رياء، ثم يرجعون إلى قريش فيرتكسون في الأوثان، يبتغون بذلك أن يأمنوا ههنا وههنا، فأمر بقتالهم إن لم يعتزلوا ويصلحوا.
حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: * (ستجدون آخرين يريدون أن يأمنوكم ويأمنوا قومهم كلما ردوا إلى الفتنة أركسوا فيها) * يقول: كلما أرادوا أن يخرجوا من فتنة أركسوا فيها. وذلك أن الرجل كان يوجد قد تكلم بالاسلام، فيقرب إلى العود والجحر وإلى العقرب والخنفساء، فيقول المشركون لذلك المتكلم بالاسلام: قل هذا ربي، للخنفساء والعقرب.
وقال آخرون: بل هم قوم من أهل الشرك كانوا طلبوا الأمان من رسول الله (ص) ليأمنوا عنده وعند أصحابه وعند المشركين. ذكر من قال ذلك: