أراد إذلاله وغير ذلك من الأمور كلها، لان الخلق خلقه بهم إليه الفاقة والحاجة، وبه قوامهم وبقاؤهم وهلاكهم وفناؤهم، وهو الغني الذي لا حاجة تحل به إلى شئ ولا فاقة تنزل به تضطره إليكم أيها الناس ولا إلى غيركم، والحميد الذي استوجب عليكم أيها الخلق الحمد بصنائعه الحميدة إليكم وآلائه الجميلة لديكم، فاستديموا ذلك أيها الناس باتقائه، والمسارعة إلى طاعته فيما يأمركم به وينهاكم عنه. كما:
حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله بن هاشم، قال: أخبرنا سيف، عن أبي روق عن علي رضي الله عنه: * (وكان الله غنيا حميدا) * قال: غنيا عن خلقه * (حميدا) * قال: مستحمدا إليهم. القول في تأويل قوله تعالى: * (ولله ما في السماوات وما في الأرض وكفى بالله وكيلا) *..
يعني بذلك جل ثناؤه: ولله ملك جميع ما حوته السماوات والأرض، وهم القيم بجميعه، والحافظ لذلك كله، لا يعزب عنه علم شئ منه، ولا يؤده حفظه وتدبيره. كما:
حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا هشام، عن عمرو، عن سعيد، عن قتادة: * (وكفى بالله وكيلا) * قال: حفيظا.
فإن قال قائل: وما وجه تكرار قوله: * (ولله ما في السماوات وما في الأرض) * في آيتين إحداهما في إثر الأخرى؟ قيل: كرر ذلك لاختلاف معنى الخبرين عما في السماوات والأرض في الآيتين، وذلك أن الخبر عنه في إحدى الآيتين ذكر حاجته إلى بارئه وغنى بارئه عنه، وفي الأخرى حفظ بارئه إياه به وعلمه به وتدبيره. فإن قال: أفلا قيل: وكان الله غنيا حميدا وكفى بالله وكيلا؟ قيل: إن الذي في الآية التي قال فيها: * (وكان الله غنيا حميدا) * مما صلح أن يختم ما ختم به من وصف الله بالغني وأنه محمود ولم يذكر فيها ما يصلح أن يختم بوصفه معه بالحفظ والتدبير، فلذلك كرر قوله: * (ولله ما في السماوات وما في الأرض) *. القول في تأويل قوله تعالى: * (إن يشأ يذهبكم أيها الناس ويأت بآخرين وكان الله على ذلك قديرا) *..
يعني بذلك جل ثناؤه: * (إن يشأ) * الله أيها الناس * (يذهبكم) * أي يذهبكم باهلاككم وإفنائكم. * (ويأت بآخرين) * يقول: ويأت بناس آخرين غيركم، لمؤازرة نبيه محمد (ص) ونصرته. * (وكان الله على ذلك قديرا) * يقول: وكان الله على إهلاككم وإفنائكم، واستبدال