(رأيت المنافقين يصدون عنك) * يعني بذلك: يمتنعون من المصير إليك لتحكم بينهم، ويمنعون من المصير إليك كذلك غيرهم صدودا.
وقال ابن جريج في ذلك بما:
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج:
* (وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول) * قال: دعا المسلم المنافق إلى رسول الله (ص) ليحكم، قال: رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا.
وأما على تأويل قول من جعل الداعي إلى النبي (ص) اليهودي والمدعو إليه المنافق على ما ذكرت من أقوال من قال ذلك في تأويل قوله: * (ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك) * فإنه على ما بينت قبل. القول في تأويل قوله تعالى:
* (فكيف إذا أصابتهم مصيبة بما قدمت أيديهم ثم جاؤوك يحلفون بالله إن أردنا إلا إحسانا وتوفيقا) يعني بذلك جل ثناؤه: فكيف بهؤلاء الذين يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت، وهم يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك * (إذا أصابتهم مصيبة) * يعني: إذا نزلت بهم نقمة من الله، * (بما قدمت أيديهم) * يعني: بذنوبهم التي سلفت منهم، * (ثم جاؤوك يحلفون بالله) * يقول: ثم جاؤوك يحلفون بالله كذبا وزورا، * (إن أردنا إلا إحسانا وتوفيقا) *.
وهذا خبر من الله تعالى ذكره عن هؤلاء المنافقين أنهم لا يردعهم عن النفاق العبر والنقم، وأنهم وإن تأتهم عقوبة من الله على تحاكمهم إلى الطاغوت، لم ينيبوا ولم يتوبوا، ولكنهم يحلفون بالله كذبا وجرأة على الله ما أردنا باحتكامنا إليه إلا الاحسان من بعضنا إلى بعض، والصواب فيما احتكمنا فيه إليه. القول في تأويل قوله تعالى: * (أولئك الذين يعلم الله ما في قلوبهم فأعرض عنهم وعظهم وقل لهم في أنفسهم قولا بليغا) *..
يعني جل ثناؤه بقوله: * (أولئك) * هؤلاء المنافقون الذين وصفت لك يا محمد صفتهم، يعلم الله ما في قلوبهم - في احتكامهم إلى الطاغوت، وتركهم الاحتكام إليك،