وأما قوله: * (ولا يظلمون نقيرا) * فإنه يعني: ولا يظلم الله هؤلاء الذين يعملون الصالحات من ثواب عملهم مقدار النقرة التي تكون في ظهر النواة في القلة، فيكف بما هو أعظم من ذلك وأكثر. وإنما يخبر بذلك جل ثناؤه عباده أن لا يبخسهم من جزاء أعمالهم قليلا ولا كثيرا، ولكن يوفيهم ذلك كما وعدهم.
وبالذي قلنا في معنى النقير قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن منصور، عن مجاهد: * (ولا يظلمون نقيرا) * قال: النقير: الذي يكون في ظهر النواة.
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا أبو عامر، قال: ثنا قرة، عن عطية، قال: النقير:
الذي في وسط النواة.
فإن قال لنا قائل: وما وجه دخول من في قوله: * (ومن يعمل من الصالحات) *، ولم يقل: ومن يعمل الصالحات؟ قيل: لدخولها وجهان: أحدهما أن يكون الله قد علم أن عباده المؤمنين لن يطيقوا أن يعملوا جميع الأعمال الصالحات، فأوجب وعده لمن عمل ما أطاق منها ولم يحرمه من فضله بسبب ما عجزت عن عمله منها قواه. والآخر منهما أن يكون تعالى ذكره أوجب وعده لمن اجتنب الكبائر وأدى الفرائض، وإن قصر في بعض الواجب له عليه، تفضلا منه على عباده المؤمنين، إذ كان الفضل به أولى، والصفح عن أهل الايمان به أحرى. وقد تقول قوم من أهل العربية أنها أدخلت في هذا الموضع بمعنى الحذف، ويتأوله: ومن يعمل الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن. وذلك عندي غير جائز، لان دخولها لمعنى، فغير جائز أن يكون معناها الحذف. القول في تأويل قوله تعالى: * (ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله وهو محسن واتبع ملة إبراهيم حنيفا واتخذ الله إبراهيم خليلا) *..
وهذا قضاء من الله جل ثناؤه للاسلام وأهله بالفضل على سائر الملل غيره وأهلها، يقول الله: * (ومن أحسن دينا) * أيها الناس، وأصوب طريقا وأهدى سبيلا، * (ممن أسلم وجهه لله) * يقول: ممن استسلم وجهه لله، فانقاد له بالطاعة، مصدقا نبيه محمدا (ص) فيما جاء به من عند ربه. * (وهو محسن) * يعني: وهو عامل بما أمره به ربه، محرم حرامه،