قال أبو جعفر: وليس في هذه القراءات الثلاثة وجه يبعد معناه مما يحتمله الكلام، غير أن الذي أختار القراءة به قراءة من قرأ: وقد نزل بضم النون وتشديد الزاي، على وجه ما لم يسم فاعله، لان معنى الكلام فيه: التقديم على ما وصفت قبل، على معنى الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين، وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها... إلى قوله: * (حديث غيره) * * (أيبتغون عندهم العزة) *. فقوله: * (فإن العزة لله جميعا) * يعني التأخير، فلذلك كان ضم النون من قوله: نزل أصوب عندنا في هذا الموضع. وكذا اختلفوا في قراءة قوله: * (والكتاب الذي نزل على رسوله والكتاب الذي أنزل من قبل) * فقرأه بفتح وأنزل أكثر القراء، بمعنى: والكتاب الذي نزل الله على رسوله، والكتاب الذي أنزل من قبل. وقرأ ذلك بعض قراء البصرة بضمه في الحرفين كلاهما، بمعنى: ما لم يسم فاعله. وهما متقاربتا المعنى، غير أن الفتح في ذلك أعجب إلي من الضم، لان ذكر الله قد جرى قبل ذلك في قوله: * (آمنوا بالله ورسوله) *. القول في تأويل قوله تعالى: * (الذين يتربصون بكم فإن كان لكم فتح من الله قالوا ألم نكن معكم وإن كان للكافرين نصيب قالوا ألم نستحوذ عليكم ونمنعكم من المؤمنين فالله يحكم بينكم يوم القيامة ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا) *.
يعني جل ثناؤه بقوله: * (الذين يتربصون بكم) * الذين ينتظرون أيها المؤمنون بكم. * (فإن كان لكم فتح من الله) * يعني: فإن فتح الله عليكم فتحا من عدوكم، فأفاء عليكم فيئا من المغانم. * (قالوا) * لكم * (ألم نكن معكم) * نجاهد عدوكم، ونغزوهم معكم، فأعطونا نصيبا من الغنيمة، فإنا قد شهدنا القتال معكم. * (وإن كان للكافرين نصيب) * يعني: وإن كان لأعدائكم من الكافرين حظ منكم بإصابتهم منكم. * (قالوا ألم نكن معكم) * يعني: قال هؤلاء المنافقون للكافرين: * (ألم نستحوذ عليكم) *: ألم نغلب عليكم حتى قهرتم المؤمنين، ونمنعكم منهم بتخذيلنا إياهم، حتى امتنعوا منكم فانصرفوا. * (فالله يحكم بينكم يوم القيامة) * يعني: فالله يحكم بين المؤمنين والمنافقين يوم القيامة، فيفصل بينكم بالقضاء الفاصل بإدخال أهل الايمان جنته وأهل النفاق مع أوليائهم من الكفار ناره. * (ولن