الناس فيه بأعمالهم، ويقضي فيه بين أهل طاعته ومعصيته وأهل الايمان به والكفر. * (لا ريب فيه) * يقول: لا شك في حقيقة ما أقول لكم من ذلك وأخبركم من خبري: أي جامعكم إلى يوم القيامة بعد مماتكم. * (ومن أصدق من الله حديثا) * يعني بذلك: واعلموا حقيقة ما أخبركم من الخبر، فإني جامعكم إلى يوم القيامة للجزاء والعرض والحساب والثواب والعقاب يقينا، فلا تشكوا في صحته، ولا تمتروا في حقيته، فإن قولي الصدق الذي لا كذب فيه، ووعدي الصدق الذي لا خلف له. * (ومن أصدق من الله حديثا) * يقول: وأي ناطق أصدق من الله حديثا؟ وذلك أن الكاذب إنما يكذب ليجتلب بكذبه إلى نفسه نفعا أو يدفع به عنها ضرا، والله تعالى ذكره خالق الضر والنفع، فغير جائز أن يكون منه كذب، لأنه لا يدعوه إلى اجتلاب نفع إلى نفسه، أو دفع ضر عنها سواه تعالى ذكره، فيجوز أن يكون له في استحالة الكذب منه نظيرا، ومن أصدق من الله حديثا وخبرا. القول في تأويل قوله تعالى:
(فما لكم في المنافقين فئتين والله أركسهم بما كسبوا أتريدون أن تهدوا من أضل الله ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلا) *..
يعني جل ثناؤه بقوله: * (فما لكم في المنافقين فئتين) *: فما شأنكم أيها المؤمنون في أهل النفاق فئتين مختلفتين، * (والله أركسهم بما كسبوا) * يعني بذلك: والله ردهم إلى أحكام أهل الشرك في إباحة دمائهم وسبي ذراريهم. والاركاس: الرد، ومنه قول أمية بن أبي الصلت:
فأركسوا في حميم النار إنهم * كانوا عصاة وقالوا الإفك والزورا يقال منه: أركسهم وركسهم. وقد ذكر أنها في قراءة عبد الله وأبي: والله ركسهم بغير ألف.
واختلف أهل التأويل في الذين نزلت فيهم هذه الآية، فقال بعضهم: نزلت في اختلاف أصحاب رسول الله (ص) في الذين تخلفوا عن رسول الله (ص) يوم أحد، وانصرفوا