الدنيا، بإظهار ما أظهر من الايمان بلسانه. * (فعند الله ثواب الدنيا) * يعني: جزاؤه في الدنيا منها وثوابه فيها، هو ما يصيب من المغنم إذا شهد مع النبي مشهدا، وأمنه على نفسه وذريته وماله، وما أشبه ذلك. وأما ثوابه في الآخرة فنار جهنم. فمعنى الآية: من كان من العاملين في الدنيا من المنافقين يريد بعمله ثواب الدنيا وجزاءها من عمله، فإن الله مجازيه جزاءه في الدنيا من الدنيا، وجزاءه في الآخرة من العقاب والنكال وذلك أن الله قادر على ذلك كله، وهو مالك جميعه، كما قال في الآية الأخرى: * (من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون) *. وإنما عنى بذلك جل ثناؤه الذين سعوا في أمر بني أبيرق، والذين وصفهم في قوله: * (ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم إن الله لا يحب من كان خوانا أثيما يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم إذ يبينون ما لا يرضى من القول من القول) * ومن كان من نظرائهم في أفعالهم ونفاقهم.
وقوله: * (كان الله سميعا بصيرا) * يعني: وكان الله سميعا لما يقول هؤلاء المنافقون الذين يريدون ثواب الدنيا بأعمالهم، وإظهارهم للمؤمنين ما يظهرون لهم إذا لقوا المؤمنين وقولهم لهم آمنا. * (بصيرا) *: يعني: وكان ذا بصر بهم وبما هم عليه منطوون للمؤمنين فيما يكتمونه ولا يبدونه لهم من الغش والغل الذي في صدورهم. القول في تأويل قوله تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا وإن تلووا أو تعرضوا فإن الله كان بما تعملون خبيرا) *.
وهذا تقدم من الله تعالى ذكره إلى عباده المؤمنين به وبرسوله أن يفعلوا فعل الذين سعوا إلى رسول الله (ص) في أمر بني أبيرق، أن يقوم بالعذر لهم في أصحابه وذبهم عنهم وتحسينهم أمرهم بأنهم أهل فاقة وفقر، يقول الله لهم: * (يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط) * يقول: ليكن من أخلاقكم وصفاتكم القيام بالقسط، يعني بالعدل. * (شهداء لله) * والشهداء: جمع شهيد، ونصبت الشهداء على القطع مما في قوله: قوامين، من ذكر