وإنما هذا تعريض من الله تعالى ذكره لهؤلاء المنافقين بأن تركهم طاعة الله وطاعة رسوله والرضا بحكمه، إنما هو للسابق لهم من خذلانه وغلبة الشقاء عليهم، ولولا ذلك لكانوا ممن أذن له في الرضا بحكمه والمسارعة إلى طاعته.
القول في تأويل قوله تعالى: * (ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما) *.
يعني بذلك جل ثناؤه: ولو أن هؤلاء المنافقين الذين وصف صفتهم في هاتين الآيتين، الذين إذا دعوا إلى حكم الله وحكم رسوله صدوا صدودا، إذ ظلموا أنفسهم باكتسابهم إياها العظيم من الاثم في احتكامهم إلى الطاغوت وصدودهم عن كتاب الله وسنة رسوله، إذا دعوا إليها جاؤوك يا محمد حين فعلوا ما فعلوا من مصيرهم إلى الطاغوت راضين بحكمه دون حكمك، جاؤوك تائبين منيبين، فسألوا الله أن يصفح لهم عن عقوبة ذنبهم بتغطيته عليهم، وسأل لهم الله رسوله (ص) مثل ذلك. وذلك هو معنى قوله: * (فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول) *.
وأما قوله: * (لوجدوا الله توابا رحيما) * فإنه يقول: لو كانوا فعلوا ذلك فتابوا من ذنوبهم لوجدوا الله توابا، يقول: راجعا لهم مما يكرهون إلى ما يحبون، رحيما بهم في تركه عقوبتهم على ذنبهم الذي تابوا منه. وقال مجاهد: عني بذلك: اليهودي والمسلم اللذان تحاكما إلى كعب بن الأشرف.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: * (ظلموا أنفسهم) *... إلى قوله: * (ويسلموا تسليما) * قال: إن هذا في الرجل اليهودي والرجل المسلم اللذين تحاكما إلى كعب بن الأشرف.
القول في تأويل قوله تعالى: * (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما) *..
يعني جل ثناؤه بقوله: * (فلا) * فليس الامر كما يزعمون أنهم يؤمنون بما أنزل إليك، وهم يتحاكمون إلى الطاغوت، ويصدون عنك إذا دعو إليك يا محمد. واستأنف القسم جل ذكره، فقال: * (وربك) * يا محمد * (لا يؤمنون) * أي لا يصدقون بي وبك، وبما أنزل إليك، * (حتى يحكموك فيما شجر بينهم) * يقول: حتى يجعلوك حكما بينهم فيما اختلط بينهم من