كان ذلك كذلك، كان ذلك من معاني أكل المال بالباطل. وإذا كان ذلك كذلك، فمعلوم أنه لا وجه لقول من قال: عني بذلك: الرجل والمرأة. فإن ظن ظان أن ذلك إذ كان حقا للمرأة، ولها المطالبة به، فللرجل افتداؤه منها بجعل، فإن شفعة المستشفع في حصة من دار اشتراها رل من شريك له فيها حق، له المطالبة بها، فقد يجب أن يكون للمطلوب افتداء ذلك منه بجعل، وفي إجماع الجميع على أن الصلح في ذلك على عوض غير جائز، إذ كان غير معتاض منه المطلوب في الشفعة عينا ولا نفعا، ما يدل على بطول صلح الرجل امرأته على عوض، على أن تصفح عن مطالبتها إياه بالقسمة لها. وإذ فسد ذلك صح أن تأويل الآية ما قلنا. وقد أبان الخبر الذي تركناه عن سعيد بن المسيب وسليمان بن يسار، أن قوله: * (وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا) *... الآية، نزلت في أمر رافع بن خديج وزوجته، إذ تزوج عليها شابة، فآثر الشابة عليها، فأبت الكبيرة أن تقر على الأثرة، فطلقها تطليقة وتركها، فلما قارب انقضاء عدتها، خيرها بين الفراق والرجعة والصبر على الأثرة، فاختارت الرجعة والصبر على الأثرة، فراجعها وآثر عليها، فلم تصبر فطلقها. ففي ذلك دليل واضح على أن قوله: * (وأحضرت الأنفس الشح) * إنما عني به: وأحضرت أنفس النساء الشح بحقوقهن من أزواجهن على ما وصفنا.
وأما قوله: * (وإن تحسنوا وتتقوا) * فإنه يعني: وإن تحسنوا أيها الرجال في أفعالكم إلى نسائكم إذا كرهتم منهن دمامة أو خلقا، أو بعض ما تكرهون منهن بالصبر عليهن، وايفائهن حقوقهن، وعشرتهن بالمعروف * (وتتقوا) * يقول: وتتقوا الله فيهن بترك الجور منكم عليهن فيما يجب لمن كرهتموه منهن عليكم من القسمة له والنفقة والعشرة بالمعروف. * (فإن الله كان بما تعملون خبيرا) * يقول: فإن الله كان بما تعلمون في أمور نسائكم أيها الرجال من الاحسان إليهن، والعشرة بالمعروف، والجور عليهن فيما يلزمكم لهن ويجب * (خبيرا) * يعني عالما خابرا، لا يخفى عليه منه شئ، بل هو به عالم، وله محص عليكم، حتى يوفيكم جزاء ذلك المحسن منكم بإحسانه والمسئ بإساءته. القول في تأويل قوله تعالى: * (ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة وإن تصلحوا وتتقوا فإن الله كان غفورا رحيما) *..
يعني جل ثناؤه بقوله: * (ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء) *: لن تطيقوا أيها الرجال أن تسووا بين نسائكم وأزواجكم في حبهن بقلوبكم حتى تعدلوا بينهن في ذلك،