بالفاء لازما بمنزلة من. وقال بعض نحويي الكوفة: أدخلت من مع ما، كما تدخل على إن في الجزاء لأنهما حرفا جزاء، وكذلك تدخل مع من إذا كانت جزاء، فتقول العرب: من يزرك من أحد فتكرمه، كما تقول: إن يزرك من أحد فتكرمه. قال: وأدخلوها مع ما ومن، ليعلم بدخولها معهما أنهما جزاء. قالوا: وإذا دخلت معهما لم تحذف، لأنها إذا حذفت صار الفعل رافعا شيئين، وذلك أن ما في قوله: * (ما أصابك من حسنة) * رفع بقوله: * (أصابك) * فلو حذفت من رفع قوله: * (أصابك) * السيئة، لان معناه: إن تصبك سيئة، فلم يجز حذف من لذلك، لان الفعل الذي هو على فعل أو يفعل لا يرفع شيئين، وجاز ذلك مع من، لأنها تشتبه بالصفات، وهي في موضع اسم، فأما إن، فإن من تدخل معها وتخرج، ولا تخرج مع أي لأنها تعرب فيبين فيها الاعراب، ودخلت مع ما لان الاعراب لا يظهر فيها.
القول في تأويل قوله تعالى: * (وأرسلناك للناس رسولا وكفى بالله شهيدا) *.
يعني بقوله جل ثناؤه: * (وأرسلناك للناس رسولا) *: إنما جعلناك يا محمد رسولا بيننا وبين الخلق تبلغهم ما أرسلناك به من رسالة، وليس عليك غير البلاغ وأداء الرسالة إلى من أرسلت، فإن قبلوا ما أرسلت به فلأنفسهم، وإن ردوا فعليها. * (وكفى بالله) * عليك وعليهم * (شهيدا) * يقول: حسبك الله تعالى ذكره شاهدا عليك في بلاغك ما أمرتك ببلاغه من رسالته ووحيه، وعلى من أرسلت إليه في قبولهم منك ما أرسلت به إليهم، فإنه لا يخفى عليه أمرك وأمرهم، وهو مجازيك ببلاغك ما وعدك، ومجازيهم ما عملوا من خير وشر جزاء المحسن بإحسانه، والمسئ بإساءته. القول في تأويل قوله تعالى: * (من يطع الرسول فقد أطاع الله ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظا) *..
وهذا إعذار من الله إلى خلقه في نبيه محمد (ص)، يقول الله تعالى ذكره لهم: من يطع منكم أيها الناس محمدا، فقد أطاعني بطاعته إياه، فاسمعوا قوله، وأطيعوا أمره، فإنه مهما يأمركم به من شئ فمن أمري يأمركم، وما نهاكم عنه من شئ فمن نهيي، فلا يقولن أحدكم: إنما محمد بشر مثلنا يريد أن يتفضل علينا! ثم قال جل ثناؤه لنبيه: ومن تولى عن طاعتك يا محمد، فأعرض عنه، فإنا لم نرسلك عليهم حفيظا، يعني حافظا لما يعملون محاسبا، بل إنما أرسلناك لتبين لهم ما نزل إليهم، وكفى بنا حافظين لأعمالهم ولهم عليها محاسبين. ونزلت هذه الآية فيما ذكر قبل أن يؤمر بالجهاد. كما: