وقد كان بعض أهل العربية يزعم أن قوله: * (كتاب الله عليكم) * منصوب على وجه الاغراء، بمعنى: عليكم كتاب الله، ألزموا كتاب الله. والذي قال من ذلك غير مستفيض في كلام العرب، وذلك أنه لا تنصب بالحرف الذي تغري به، لا تكاد تقول: أخاك عليك وأباك دونك، وإن كان جائزا. والذي هو أولى بكتاب الله أن يكون محمولا على المعروف من لسان من نزل بلسانه هذا مع ما ذكرنا من تأويل أهل التأويل ذلك بمعنى ما قلنا، وخلاف ما وجهه إليه من زعم أنه نصب على وجه الاغراء.
القول في تأويل قوله تعالى: * (وأحل لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم) *.
اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم: معنى ذلك: وأحل لكم ما دون الخمس أن تبتغوا بأموالكم على وجه النكاح. ذكر من قال ذلك:
حدثنا محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي: * (وأحل لكم ما وراء ذلكم) *: ما دون الأربع أن تبتغوا بأموالكم.
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن سفيان، عن هشام، عن ابن سيرين، عن عبيدة السلماني: * (وأحل لكم ما وراء ذلكم) * يعني: ما دون الأربع.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: وأحل لكم ما وراء ذلكم من سمى لكم تحريمه من أقاربكم. ذكر من قال ذلك:
حدثنا القاسم، قال ثنا الحسين، قال: ثنا حجاج، عن ابن جريج، قال:
سألت عطاء عنها، فقال: * (وأحل لكم ما وراء ذلكم) * قال: ما وراء ذات القرابة، * (أن تبتغوا بأموالكم) *... الآية.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: * (وأحل لكم ما وراء ذلكم) *: عدد ما أحل لكم من المحصنات من النساء الحرائر ومن الإماء. ذكر من قال ذلك:
حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا عبد الأعلى، قال: ثنا سعيد، عن قتادة في قوله: * (وأحل لكم ما وراء ذلكم) * قال: ما ملكت أيمانكم.
قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب، ما نحن مبينوه، وهو أن الله جل ثناؤه بين لعباده المحرمات بالنسب والصهر، ثم المحرمات من المحصنات من النساء، ثم