(درجات منه) * إلى الأعمال وزيادتها على أعمال القاعدين عن الجهاد كما قال قتادة وابن زيد. وإذا كان ذلك كذلك، وكان الصحيح من تأويل ذلك ما ذكرنا، فبين أن معنى الكلام:
وفضل الله المجاهدين في سبيل الله على القاعدين من غير أولي الضرر أجرا عظيما وثوابا جزيلا، وهو درجات أعطاهموها في الآخرة من درجات الجنة، رفعهم بها على القاعدين بما أبلوا في ذات الله. * (ومغفرة) * يقول: وصفح لهم عن ذنوبهم، فتفضل عليهم بترك عقوبتهم عليها. * (ورحمة) * يقول: ورأفة بهم. * (وكان الله غفورا رحيما) * يقول: ولم يزل الله غفورا لذنوب عباده المؤمنين، فيصفح لهم عن العقوبة عليها * (رحيما) * بهم، يتفضل عليهم بنعمه، مع خلافهم أمره ونهيه وركوبهم معاصيه. القول في تأويل قوله تعالى: * (إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم وكان الله عفوا غفورا) *..
يعني جل ثناؤه بقوله: * (إن الذين توفاهم الملائكة) *: إن الذين تقبض أرواحهم الملائكة * (ظالمي أنفسهم) * يعني: مكسبي أنفسهم غضب الله وسخطه. وقد بينا معنى الظلم فيما مضى قبل. * (قالوا فيم كنتم) * يقول: قالت الملائكة لهم: فيم كنتم، في أي شئ كنتم من دينكم. * (قالوا كنا مستضعفين في الأرض) * يعني: قال الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم: كنا مستضعفين في الأرض، يستضعفنا أهل الشرك بالله في أرضنا وبلادنا بكثرة عددهم وقوتهم، فيمنعونا من الايمان بالله واتباع رسوله (ص)، معذرة ضعيفة وحجة واهية. * (قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها) * يقول: فتخرجوا من أرضكم ودوركم، وتفارقوا من يمنعكم بها من الايمان بالله واتباع رسوله (ص) إلى الأرض التي يمنعكم أهلها من سلطان أهل الشرك بالله، فتوحدوا الله فيها وتعبدوه، وتتبعوا نبيه؟ يقول الله جل ثناؤه: * (فأولئك مأواهم جهنم) *: أي فهؤلاء الذين وصفت لكم صفتهم، الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم، مأواهم جهنم، يقول: مصيرهم في الآخرة جهنم، وهي مسكنهم. * (وساءت مصيرا) * يعني: وساءت جهنم لأهلها الذين صاروا إليها مصيرا ومسكنا ومأوى. ثم استثنى جل ثناؤه المستضعفين الذين استضعفهم المشركون من الرجال والنساء والولدان، وهم العجزة عن الهجرة بالعسرة وقلة الحيلة وسوء البصر والمعرفة