بعد ألف ساكنة، فقال بعضهم: ترك همزها لأنها كانت أية، فثقل عليهم التشديد، فأبدلوه ألفا لانفتاح ما قبل التشديد، كما قالوا: أيما فلان فأخزاه الله.
وقال آخرون منهم: بل هي فاعلة منقوصة. فسألوا، فقيل لهم، فما بال العرب تصغرها أيية، ولم يقولوا أوية؟ فقالوا: قيل ذلك كما قيل في فاطمة: هذه فطيمة، فقيل لهم: فإنهم يصغرون فاعلة على فعيلة إذا كان اسما في معنى فلان وفلانة، فأما في غير ذلك، فليس من تصغيرهم فاعلة على فعيلة.
وقال آخرون: إنه فعلة، صيرت ياؤها الأولى ألفا، كما فعل بحاجة وقامة، فقيل لهم: إنما تفعل العرب ذلك في أولاد الثلاثة، وقال من أنكر ذلك من قيلهم: لو كان كما قالوا لقيل في نواة: ناية، وفي حياة: حاية.
القول في تأويل قوله تعالى: * (قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا) *.
فعاقبه الله فيما ذكر لنا بمسألته الآية، بعد مشافهة الملائكة إياه بالبشارة، فجعل آيته على تخصيص ما سمع من البشارة من الملائكة بيحيى أنه من عند الله آية من نفسه، جمع تعالى ذكره بها العلامة التي سألها ربه على ما يبين له حقيقة البشارة أنها من عند الله، وتمحيصا له من هفوته، وخطأ قيله ومسألته.
وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال جماعة من أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: * (رب اجعل لي آية قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا) * إنما عوقب بذلك لان الملائكة شافهته مشافهة بذلك فبشرته بيحيى، فسأل الآية بعد كلام الملائكة إياه، فأخذ عليه بلسانه، فجعل لا يقدر على الكلام إلا ما أومأ وأشار، فقال الله تعالى ذكره كما تسمعون: * (آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا) *.
حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: * (أن الله يبشرك بيحيى مصدقا) * قال: شافهته الملائكة، فقال: * (رب اجعل لي آية قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا) * يقول: إلا إيماء، وكانت عقوبة عوقب بها، إذ سأل الآية مع مشافهة الملائكة إياه بما بشرته به.