أراهم عدد المشركين مثل عددهم لا يزيدون عليهم، فذلك التقليل الثاني الذي قال الله جل ثناؤه: * (وإذ يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم قليلا) *.
وقال آخرون من أهل هذه المقالة: إن الذين رأوا المشركين مثلي أنفسهم هم المسلمون، غير أن المسلمين رأوهم على ما كانوا به من عددهم، لم يقللوا في أعينهم، ولكن الله أيدهم بنصره. قالوا: ولذلك قال الله عز وجل لليهود: قد كان لكم فيهم عبرة، يخوفهم بذلك أن يحل بهم منهم، مثل الذي حل بأهل بدر على أيديهم. ذكر من قال ذلك:
حدثنا محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: * (قد كان لكم آية في فئتين التقتا فئة تقاتل في سبيل الله وأخرى كافرة) *. أنزلت في التخفيف يوم بدر، فإن المؤمنين كانوا يومئذ ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا، وكان المشركون مثليهم، فأنزل الله عز وجل: * (قد كان لكم آية في فئتين التقتا فئة تقاتل في سبيل الله وأخرى كافرة يرونهم مثليهم رأي العين) * وكان المشركون ستة وعشرين وستمائة، فأيد الله المؤمنين، فكان هذا الذي في التخفيف على المؤمنين.
وهذه الرواية خلاف ما تظاهرت به الاخبار عن عدة المشركين يوم بدر، وذلك أن الناس إنما اختلفوا في عددهم على وجهين، فقال بعضهم: كان عددهم ألفا، وقال بعضهم: ما بين التسعمائة إلى الألف. ذكر من قال كان عددهم ألفا:
حدثني هارون بن إسحاق الهمداني، قال: ثنا مصعب بن المقدام، قال:
ثنا إسرائيل، قال: ثنا أبو إسحاق، عن حارثة، عن علي، قال: سار رسول الله (ص) إلى بدر، فسبقنا المشركين إليها، فوجدنا فيها رجلين، منهم رجل من قريش، ومولى لعقبة بن أبي معيط، فأما القرشي فانفلت، وأما مولى عقبة، فأخذناه، فجعلنا نقول: كم القوم؟
فيقول: هم والله كثير شديد بأسهم. فجعل المسلمون إذا قال ذلك صدقوه، حتى انتهوا به إلى رسول الله (ص)، فقال له: كم القوم؟ فقال: هم والله كثير شديد بأسهم. فجهد النبي (ص) على أن يخبرهم كم هم، فأبى. ثم إن رسول الله (ص) سأله: كم تنحرون من الجزر؟ قال: عشرة كل يوم. قال رسول الله (ص): القوم ألف.
حدثني أبو سعيد بن يوشع البغدادي، قال: ثنا إسحاق بن منصور، عن