أحصروا في سبيل الله. واللام التي في الفقراء مردودة على موضع اللام في فلأنفسكم، كأنه قال: * (وما تنفقوا من خير) * يعني به: وما تتصدقوا به من مال، فللفقراء الذين أحصروا في سبيل الله، فلما اعترض في الكلام بقوله: فلأنفسكم، فأدخل الفاء التي هي جواب الجزاء فيه تركت إعادتها في قوله: للفقراء، إذ كان الكلام مفهوما معناه. كما:
حدثني موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي قوله: * (ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء وما تنفقوا من خير فلأنفسكم) * أما ليس عليك هداهم، فيعني المشركين، وأما النفقة فبين أهلها، فقال: للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله.
وقيل: إن هؤلاء الفقراء الذين ذكرهم الله في هذه الآية، هم فقراء المهاجرين عامة دون غيرهم من الفقراء. ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: * (للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله) * مهاجري قريش بالمدينة مع النبي (ص)، أمر بالصدقة عليهم.
حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه قوله:
* (للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله) *... الآية. قال: هم فقراء المهاجرين بالمدينة.
حدثني موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي: * (للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله) * قال: فقراء المهاجرين.
القول في تأويل قوله تعالى: * (الذين أحصروا في سبيل الله) *.
يعني تعالى ذكره بذلك: الذين جعلهم جهادهم عدوهم يحصرون أنفسهم فيحبسونها عن التصرف فلا يستطيعون تصرفا. وقد دللنا فيما مضى قبل على أن معنى الاحصار:
تصيير الرجل المحصر بمرضه أو فاقته أو جهاده عدوه، وغير ذلك من علله إلى حالة يحبس نفسه فيها عن التصرف في أسبابه بما فيه الكفاية فيما مضى قبل.
وقد اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم: في ذلك بنحو الذي قلنا فيه.
ذكر من قال ذلك: